توظيف الشباب.. الحقائق الغائبة

د. سيف بن ناصر المعمري

حاول الباحثون عن عمل خلال الأسبوعين الماضيين أن يسمعوا صوتهم لكل أحد في البلد؛ لعل أحدًا يحمل إجابة لسؤالهم البسيط جدًا وهو لم لا توجد فرص عمل لهذه الآلاف المتزايدة من الشباب الخريجين؟ ومع هذا السؤال تولد أسئلة أخرى لا تقل أهمية عنه وتؤكد لنا أن قطاع التوظيف هو القطاع الأكثر جدلاً في البلد، فلا يمر عقد إلا ويجد الشباب أنفسهم لوحدهم يقفون قلقين على مستقبلهم وأحلامهم وطموحاتهم، وكأن كل الخطابات المتعلقة بقيمة الشباب وأهميته للتنمية تتوارى بمجرد أن يعلو صوت الشباب مطالبين بشيء من الفرص التي يرونها تتوالد في كثير من الأماكن ولكن كل فرصة لا ترغب في شاب عماني أن يمسك بها، حيث تعمل أيادٍ لا نعرف إن كانت عُمانية أم وافدة على تطيرها خارج الحدود لتأتي كل واحدة بالفائزين بها سواء كانوا قادرين على القيام بشؤونها أم غير قادرين، فمثل هذا المعيار لا يعد إشكالية لدينا فنحن نقبل أي شيء لا نضع شروطا صعبة للقادمين ونستحي أن نرد أحدًا وضع رجله على ترابنا حتى وإن ثبت لدينا أنَّه لن يقدم لنا أي فائدة ترجى ولا ضير في هذا ولكن لم لا نستحي من شبابنا الذين درسوا بجد وثابروا ليتخرجوا ليبدأوا عملهم على تنمية بلدهم ولكنهم للأسف ينصدمون في غمرة فرحتهم هذه بألا مكان لهم إلا من وجد من يُعبِّد له طريقاً خاصاً يدخل منه فرد وبعد ذلك تغلق البوابة على علامة "طريق خاص"، ويجدون أنفسهم يرفعون صوتهم لكن الجميع يديرون ظهورهم، بل إن من خرج عن صمته خلال الأسبوعين الماضيين خلال الفترة التي أطلق الشباب هاشتاج "الباحثين عن عمل" طالب الشباب بالكف عن مثل الدعوات التي لا تليق بالشباب المتعلم ويبدأ في البحث عن لقمة العيش في أي عمل فلا ضير أن يعمل المهندس سائقا لشاحنة، وتعمل خريجة العلوم خياطة، ويعمل خريج الآداب سمسارًا، وهكذا لبقية الخريجين المؤهلين للعمل في وظائف نوعية متوفرة بأعداد كبيرة لكن ليس لهؤلاء الشباب، فماذا نفعل بشبابنا المؤهل؟ ولماذا نصم آذاننا عنهم؟.

إننا أمام هذه الإشكالية نقف مرة أخرى، ونجد أنفسنا نضيع جيلاً من شبابنا المؤهلين نتركهم يكونون مشاعر التهميش الاجتماعي في وقت تتزايد فيه الأوضاع الاقتصادية تعقيداً، وتعمل الدول على عمليات جراحية دقيقة في أسواق العمل لديها تكشف الزيف الذي يعتريها، وتعري الحقائق الناقصة عنه، وتكشف المعتقدات الواهية التي صيغت حوله، وتقوم بعملية انتشار للقوى الوطنية في مختلف القطاعات لأنها تدرك عبر دروس من التاريخ المعاصر أن معاناة الشباب من البطالة وهم الفئة الأكثر حيوية يعبر عن فشل كبير في التخطيط لسوق العمل سواء الحكومي أو الخاص، ومثل هذا الفشل لابد له من تصحيح حتى لا تتراكم نتائجه السلبية خاصة إن كانت متعلقة بقطاع التشغيل، لقد عقلت على ذلك مستشارة أكبر الاقتصاديات العالمية وهي المستشارة الألمانية ميركل وأضافت علينا ألا نسمح بأن نضيع جيلاً من الشباب نتيجة عدم تصحيح أخطائنا، وبالتالي لابد من الاعتراف بأن تزايد الباحثين عن عمل هو نتاج تخطيط لابد من إعادة النظر فيه وهناك الآلاف من الوظائف المستخبية التي لا يُريد أحد من الشباب العماني أن يقترب منها لا أعرف ما هي مصالح هؤلاء من وراء ذلك وكثير منها في قطاع التعليم والصحة والأنشطة الخدمية وبالتالي فإنَّ الانتشار الوطني في هذه القطاعات ليس أمرًا صعبًا ولا مستحيلاً لكن يحتاج إلى قرار لكن من يصدر هذا القرار هذا الأمر الذي لابد أن تهتم به المجالس الكثيرة التي لدينا التي تعلن يومياً عن اتفاقيات الاستثمار ولكن لا تعلن عن نوعية الوظائف التي توفرها لشباب عُمان، لقد آلمني بعض مُتخذي القرار الذين يغلقون مؤسساتهم في وجه كوادر عمانية مؤهلة ويفتحونها على مصراعيها في وجه آخرين ممن لا يتمتعون بنفس تلك المؤهلات، المسألة ليست ثنائية عماني وافد ولكن المسألة هي ببساطة إن كان العماني يحمل مؤهلات تمكنه من القيام بهذه الوظيفة فلم تمنعها عنه أيها المسؤول العماني، ولما تتحدث وأنت تقوم بذلك عن دعم الموارد البشرية الوطنية ألا ترى أن مثل هذا التناقض لن تقنع به أحدًا.

أتوقع أن ملف الباحثين عن عمل لن يلتفت إليه أحد في الوقت الحالي، لسبب بسيط وهو أن الذي يجدر به أن يلتفت يحمل نفس المعتقدات عن قطاع التوظيف، ولا يُريد أن يقوم بإعادة هندسته مرة أخرى بما يتلاءم مع الظروف والاحتياجات، وأن القطاع الخاص قد رفع يديه من المشاركة في استيعاب هؤلاء  الباحثين عن عمل بحجة تداعيات الأزمة الاقتصادية، ولو لم توجد الأزمة الاقتصادية لاخترع مبررا آخر، والجهات المسؤولة تتعامل بحنية مع الشركات الكبرى التي يضغط بعضها لنقل أعماله خارج البلد أن لم يترك وشأنه، وفي الوقت نفسه تضغط على المؤسسات الصغيرة جداً من أجل التعمين مما ينفر هؤلاء الشباب من تأسيس مشروعات صغيرة بل إن البعض ينظر إلى هؤلاء الشباب بأنهم استثمار  اقتصادي حيث يقدمون برامج تدريبية بمناقصات كبيرة لهم قد لا تساعدهم للحصول على عمل، وبالتالي نحن أمام ملف وطني شائك لا يمكن مواجهته بالصمت ولا بالاستثمار السلبي من قبل البعض كما تابعنا بعض النقاشات على الشبكات، لابد من الحكمة في توجيه هؤلاء الشباب ومنحهم أملا في المستقبل من خلال مساعدتهم بطريقة مبتكرة في التوظيف ومنحهم امتيازات للقيام بمشروعات صغيرة مع توفير الحماية لهم من المنافسة غير العادلة التي قد يواجهونها في سوق غير منضبط وفي مؤسسات لم تعد قادرة على أن تدير وجهها للداخل في التوظيف، وقبل هذا وذاك نحتاج لأن نؤمن بأنَّ الشباب هم مورد اقتصادي لابد أن نستثمره لصالحنا بدلاً من أن يستثمره الآخرون ضد مصالحنا.