المعتصم البوسعيدي
لقد جاءت قرعة خليجي (23) لكرة القدم المقرر إقامته في قطر والوضع السياسي المضطرب يُخيم على المنطقة الخليجية، وقد أُجريت القرعة وسط احتمالات كثيرة بين الحضور والغياب، وشتات يبدو أنه أصعب من أيّ وقت مضى.
إنَّ الأزمات في بطولة كأس الخليج ليست بالطارئ الجديد؛ فالبطولة عبر تاريخها الممتد سبعة وأربعين عامًا شهدت العديد من المواقف والانسحابات، حتى إن بعض الانسحابات جاءت احتجاجًا على شعار بطولة، وأخرى اعتراضًا على التحكيم، فيما مُنعت العراق من المُشاركة لظروف الحرب المعروفة في بداية تسعينيات القرن المنصرم، قبل أن تعود في العام 2004م، أما اليوم فتشهد البطولة خلافا غير مسبوق على كل الأصعدة السياسية والاجتماعية، مما أشعل فتيل خصومة نتمنى ألا تطول نيرانها؛ لتحرق الأخضر واليابس.
على ذلك يتساءل البعض: هل يمكن أن نبعد الرياضة عن السياسة؟! ذلكم سؤال ملغي ـ على ما يبدو ـ في قاموس البطولات العربية، وشيئًا فشيئًا تزحف الأزمات في كل ركن من أركان هذه الأمة التي تعيش الشتات، وتلفظ جميع ما يوحدها بجميع ما يفرقها، فمن يصدق أن الخليج العربي الذي لطالما تغنى بمجلس تعاونه سيعيش هذا الوضع الذي "زاد الطين بلة" في الجانب الرياضي على الأقل، مع احتراب العراق، وحرب اليمن، إضافة لإيقاف الكويت دوليًا على المستوى الكروي؟! ذلك يحدث حقًا مع عدم استطاعة "الفيفا" فرض أي قرار على بطولة الخليج؛ لعدم وجودها في خارطة البطولات الرسمية، وهذا موضوع آخر يمكن البكاء عليه؛ لأنه ليس "لبن مسكوب" بل كأس ماء لم نستطع شربه رغم قربه من الجميع!!.
إن أسوأ ما تعيشه بطولة كأس الخليج العربي حاليًا ليس نابعًا فقط من احتمال فقدها للأبد؛ بل لبذرتها الصالحة التي تشوهت مع مرور الوقت، وحينما حان قطافها عاجلتنا بمرارتها؛ فالبطولة الخليجية وإن اعترفنا بتطويرها لكرة القدم الخليجية في وقت ما، إلا أنها كانت تعيش في أوقات كثيرة على "قلوب صفراء" تظهر حقيقتها بين الفينة والأخرى؛ فحمام السلام وأغصان الزيتون وأغنيات "خليجنا واحد، وهذا الخليجي، وأنا الخليجي" تتحول في لحظة "الحرب العصبية" ـ كما يسمونها ـ لنسور جارحة، وسهام سامة، وطبول حرب، ونجد رواسب المواقف السابقة تعاود الظهور، وتبث في الأجيال بواطن الشرور ونزعات الغرور، وها نحن اليوم نشاهد ما كنا عنه غافلون أو متغافلون؛ "واللي يربي فأر في المندوس / يصبر على ضياع مندوسه"!!.
هناك الكثير من الطرح حول خليجي (23)، وهل إجراء القرعة في هذا الوضع إجراء له داعِ ومُبرر، فمن الناحية المهنية ـ في اعتقادي ـ يُعد ذلك إجراءً صحيحا للجنة المنظمة التي ارتأت إقامتها في توقيتها مع طرح العديد من الاحتمالات، لكن ومن ناحية أخرى لا توجد أريحية في الوسط الرياضي ـ إطلاقًا ـ للبطولة وقرعتها، بل إنها أضحت مجالاً واسعًا للتندر "والنكات"، وطبعًا نحن شعوب "نكته" ونتفنن في ذلك حتى "الثمالة"، فيما يبقى الأمر مُعلقًا ومترنحًا وباحثًا عن الحلول الرشيدة التي تمسك "الحبل المنفلت على غاربه"!!.
من المعلوم أن الأزمة الخليجية الحالية أساسها سياسي بحت، لذلك فحل خليجي (23) حل سياسي أيضًا، خاصة مع عدم مقدرة الاتحاد الدولي "الفيفا" على التدخل لما ذكرناه آنفًا، ونسبة انفراج الأزمة "رياضيًا" كان ممكنًا بكل سهولة لو أنّ الخصومة أُبعدت عن الجوانب الاجتماعية والرياضية وغيرها، بل أظنها كانت ستكون خط الرجعة ووسيلة العودة، لكن ذلك لم يحدث، وبات علينا التفكير في إيجاد بدائل أكثر نجاعة "ورب ضارة نافعة"؛ فنحن بأشد الحاجة لفك ضغوط روزنامة البطولات التي تؤثر بالسلب على دورياتنا، وبالتالي فإنّ انتفاء البطولات الخليجية بكل فئاتها سيتيح تغيير مساراتنا بشكل مقنن مشفوعًا بالبحث عن بدائل "دولية" لا تُدار بشكل "مزاجي"، وخسارة "عادة حميدة متحركة" أهون من خسارة "قيم أصيلة ثابتة"، أما خليج الشتات،فكلنا مع لملمته، وكلنا مع وحدته، ونحن جزء منه وسنبقى كذلك، لكننا الآن نحتاج لاتخاذ قرار جريء، لا يبعدنا إلا ليعيدنا أكثر قوة وإدراكاً، مستفيدين من كل سقطاتنا ومن سقوطنا الأخير الذي لا زال مستمرا حتى اللحظة!!.