صرخة تطلقها القاصرات

ريان الزعابية

في بعض المدن والقرى حول العالم تُحرم الفتاة من الدراسة ما إن تبلغ التاسعة من ربيع عمرها؛ حيث يفرض عليها مجتمعها السقيم الزواج من رجل أكبر منها بعشرات السنين؛ وذلك يأتي غالباً حينما يقرر الوالدان التخلص من ابنتهما بسبب الظروف الصعبة والفقر. فحينها لا يبالي الوالدان بما سيحل بابنتهما وهي في بداية مشوار حياتها. فما إن يتقدم لها رجل مسن، حتى يقبل به والدها من أجل تزويج ابنته ونهب "صداقها" ليسدد به ما عليه من التزامات وقضايا.

بعدها، "تزج" تلك الفتاة القاصرة إلى بيت زوجها وهي لا تدرك معنى المسؤولية وثقل الزواج، ولا تعلم أنها لن تتمكن من اللعب مع عروستها كالسابق، ولا تعلم مصيرها المجهول، ولا تعلم أنها ستتحول من زهرة جميلة الألوان إلى زهرة يابسة جافة بعدما تسرق حياتها الجديدة ألوان طفولتها الوردية. لتتحول بين يومٍ وليلة إلى ربة منزل، فهي تظن بذلك الرجل خيراً، فتعتقد أنه سيحبها ويدللها كالفراشة؛ لأنه غالباً ما يلبس بعض الرجال في بداية زواجهم قناعاً لا يستطيع أحد معرفة ما يخفون خلفه.

ما إن تدخل تلك الفتاة إلى ذلك القفص الحديدي المعتم المغلف باللون الذهبي، حتى تبدأ حياة جديدة قاسية مع من يسمى بـ"زوجها".. فتراه لا يرحمها، بل يقبل عليها كالحيوان المفترس ليقضي حاجته ويفر هارباً، تراه يقبل عليها بالضرب المبرح والكم الهائل من الشتائم حتى يطبع آثار جرائمه على جسدها النحيل الرقيق ليثبت "ذكورته"؛ لأنه يحاول أن يصبح "رجلاً"، حيث تعيش الطفلة حياةً سوداء تحيط بها أبواب مغلقة بإحكام، وقيود تفرض عليها قسراً بحجة "طاعة الزوج"، فيحكم عليها بطاعة زوجها وتنفيذ جميع أوامره ما إن يطلب أمراً أو لم يطلب ودون مراعاةٍ لمشاعرها. فمن الفتيات من تقبَّلن واقعهن المرير وصبرن على الأذى، ومنهن من أطلقن أصواتهن للعلالي ليثورن بذلك على عادات مجتمعهن، والصنف الآخر من لم يطقن الجلوس في بيت الزوجية فهربن منه إلى موقع مجهول.

ومع أننا نعيش في عصر التطور والتقدم، إلا أن هناك من يعيش في دائرة مظلمة من الجهل والتخلف، فكم من قصص سمعناها من أناس عبر الإعلام عاشوا تلك التجربة؟! ولكن، ما زالت بعض الدول تعاني من هذه المشكلة التي أصبحت تشكل خطراً كبيراً على حقوق الطفل. فمع وجود قانون صارم -في بعض الدول- يمنع الزواج من القاصرات، إلا أننا نجد دائماً من يخالف القانون فلا يستحق إلا العقوبة الشديدة.

ولا نتوقع بالمجتمعات أن تنهض وتصحو إذا ما عالجنا تلك القضايا، وتتم معالجة تلك القضايا بالتعليم والتوعية، فحينما تتعلم الفتاة تصبح أنضج وأوعى لتواكب التطورات وتربي جيلاً مدركاً وفاهماً، لا جيلاً متخلفاً وأميًّا. فحينما تمنع الفتاة من التعليم وهي في بداية عمرها، لا نتوقع منها أن تربي أطفالها وتكون قادرةً على تربيتهم تربية جيدة بحكم أنها جاهلة ولم تتعلم. فالكثير من الأمهات اللاتي تزوجنّ في سن مبكرة يرفضنّ قطعاً ارتباط بناتهن بزوج وهن في أول خطوات حياتهن؛ لأنهن يعلمن ما يكمن خلف الزواج.

وأقول: إن منع الفتاة من التعليم وتزويجها وهي في بداية حياتها جريمة عظيمة لا تغتفر. والإسلام بريء من تلك الأفعال المشينة، وقد كرم الإسلام المرأة وساواها في حقوقها مع الرجل؛ فهي ليست أقل منه في الحقوق بشيء. فتبًّا لتلك العقول المتحجرة التي تعتقد أن زواج القاصرة هو مفتاح سعادتها وتحصينها من الوقوع في المحرمات، وأي محرمات ستقع فيها تلك الفتاة التي لا تعرف غير اسم عروستها...! فمن يتحمل ذنب الفتيات البريئات اللاتي تزوجن بالرغم عنهن لأسباب مادية بحتة؟!

تعليق عبر الفيس بوك