محاسبة المسؤول المقصر

 

حمود الطوقي

في الكثير من النقاشات -سواء في الجلسات، أو تلك التي تطرح لمناقشتها على شبكات التواصل الاجتماعي- تلوح في الأفق أصابع الاتهام إلى عرقلة تنفيذ العديد من المشاريع؛ بسبب المسؤول صاحب القرار الأول والأخير، في دفع المشروع إلى واقع فعلي، أو بعرقلة المشروع رغم الإعلان عنه مسبقا، بل وفي الكثير من الأحايين تدشين تلك المشاريع إعلاميا، والإعلان عن أدق تفاصيلها، ولكن مع مرور الوقت تتلاشى ولا تذهب تلك المشاريع والأفكار أدراج الرياح، وحتى عندما تثار للاستفسار عنها لا تجد ردا مقنعا عن اختفائها وتعثر تنفيذها.

قد تكون الأسباب وراء عدم تنفيد هذه المشاريع ناتجة عم عدم وجود الوفورات المالية، أو تعثر المشروع بسبب مشاكل قانونية، وعدم توافق الجهات الرسمية في إيجاز التصاريح اللازمة، وبهذه الإشارات تتعطل هذه المشاريع، وتتناسى مع مرور الأيام والأوقات؛ لتبقى حبيسة الأدراج، في الوقت الذي كان يجب أن يعلن عن سبب تأخرها أمام الجمهور ليكون على بينة؛ لأنه جزء لا يتجزأ من برامج التنمية.

لست هنا بصدد رصد تلك المشاريع التي لم تقام، ولكن بصدد أن أذكر المسؤول أنه يجب أن نتَّخذ من العبارات المضيئة للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- مناراً وبوصلة نستهدي بها في سبيل تحقيق الغايات العظمى؛ فقد قال جلالته -حفظه الله- في أحد خطاباته: "إن جميع المسؤولين في الحكومة خدم للشعب، وإن الوظيفة هي تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذاً وسلطة، وإن العدل هو أبو الوظيفة وحارسها"، فهذه العبارات نبراس مهم للعبور نحو ضفة الاختلاف، خاصة في ظل المرحلة الحالية، بما فيها من مستجدات، وبما تعنيه الشراكة بين ذوي الخبرة في المجالين الحكومي والخاص لتأسيس مرحلة جديدة من التحول الفعلي نحو التنويع الاقتصادي الذي هو أحد أهم الملفات الحيوية، في ظل تدهور أسعار النفط على مدار الأعوام الماضية، وتعالت الأصوات على أهمية الاستفادة من خيرات هذا البلد، والبحث عن مصادر جديدة للدخل بعيدا عن النفط المهيمن على مدار أربعة عقود من الزمن.

نجزم بأن المصادر الجديدة للدخل موجودة ومعلنة ضمن خطط الحكومة، لكنها لا تنفذ هذه المصادر، وقد يكون السبب المسؤول الذي قد يكون حجر عثرة في طريق تنفيذها، وقد تتداخل المصالح في إقامة تلك المشاريع أو تعطيلها.

أرى أنه من الواجب أن نذكر أنفسنا بأن بلادنا -بما حباها الله من خيرات ومقومات عديدة- كفيلة بأن تخرج من عنق الزجاجة، وأن تكون محطة مهمة لجذب الاستثمارات وتعزيز مصادر الدخل الجديدة، التي تسهم في رفد الاقتصاد القومي بأفكار ومشاريع ورؤى تدفع بـ"التنويع الاقتصادي" نحو ما هو أفضل، كما نفهمه نحن العمانيين. ونحن مع فكرة عدم عرقلة المشاريع بل "تنفيذها"؛ لأنها -أي المشاريع- أُقرت وفق دراسات جدوى اقتصادية مدروسة ومقرونة بجدول زمني، وظروف محددة.

فالأحرى أن يفتح ملف المشاريع التي أقرت سابقا من جديد ولم تنفذ سابقا بأي ظرف من الظروف، ولا شك أن اعتماد المشاريع سبيل لدعم القطاع الخاص -ممثلاً في كافة المؤسسات كبيرة الحجم، وحتى تلك الصغيرة والمتوسطة- خاصة على مستوى تبسيط الإجراءات البسيطة أصلاً، وجعلها مفتاحاً للولوج نحو أشكال استثمارية عمانية تنافسية الطابع. ولكي يكون هذا الفهم واقعيا، فلا بد من تكريس العزل الذهني الذي يعتبر النفط أحد مصادر الدخل الرئيسية، بل الأوحد؛ من خلال تحويله إلى عنصر موجِّه للاستفادة من نشاطات هذا القطاع، وتكريسه لتفعيل التنافسية، وإعادة صياغة القوانين بما يتسق وحاجة الحكومة لوضع إطار زمني لتكوُّن مناسيب المداخيل المالية من هذا القطاع، عبر تدوير الحركة المالية والشرائية وفق نسقٍ تصاعدي، وهنا نستعيد فكرة ضرورة تكريس بناء تجربة الإنسان العماني، وتأهيله بحسب المرحلة الحالية والتي تليها، لتتناسب النتائج مع المعطيات.

ولتحقيق هذا المبدأ، لا بد أن نرفض مبدأ التعطيل الذي هو ضد التنفيذ. ويجب محاسبة المعطلين لتلك المشاريع ذات القيمة الاقتصادية المضافة العالية.

لا شك أن هذا التوجه سوف يعود بنا إلى دعوة جلالة السلطان ببناء شراكة حقيقية بين القطاع الحكومي والخاص والذي من شأنه أن يقود العجلة الاقتصادية إلى بؤرة مركزية للتخطيط والتنفيذ والمتابعة، لإنماء البيئات وتكريسها لأهداف واضحة في الزراعة والصناعة واللوجيستيات وصناعة الموارد البشرية والثقافة وإعلاء شأن بناء القيادات والكوادر...وغيرها من التوجهات التي تجعل من قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة رائدًا ومقدما في قيادة التنويع الاقتصادي، تماماً كما هو حاصل في دول العالم ذات الاقتصادات الضخمة والكيانات العابرة للقارات.

أختم مقالي بالدعوة الصادقة لكافة المعنيين بضرورة وضع مصلحة عُمان فوق كل الاعتبارات، وأن نرى العمل الجماعي المؤسسي نبراساً يضيء الطريق نحو تحقيق الشراكة بين القطاع العام والخاص.