النهضة العمانية الحديثة

 

ياسر بن راشد الكلباني

النهضة التي قادها جلالة السُّلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-، أحدثت ثورة حقيقية في المجتمع العماني، إذ ساهمت في تغيير الوضع القائم وحولته إلى وضع أفضل، ولقد أكد جلالته ذلك في خطابه السامي الأوَّل للشعب العماني بكل إصرار وحماس: "سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمُستقبل أفضل وعلى كل منكم المساعدة في هذا الواجب".

"الإنسان هو محرك التنمية ومحورها".. لقد كان جلالته يعني ما يقول باحتراف، فكان الاهتمام الأول بالإنسان، لأنَّ الإنسان هو الثروة الأولى في كل المجتمعات والأمم، فرقي المجتمعات مرتبط برقي الفرد الذي هو المكون للمجتمع والأمة، رقياً فكريًا وحضارياً وثقافياً. وسنعرج على لمحات بسيطة من فكر جلالته النير في اهتمامه بالإنسان والمجتمع العماني ووحدة صفه، في الفقرات التالية من هذا المقال.

"عفا الله عمَّا سلف".. كان لهذه السياسة الأثر العظيم في مسيرة النهضة والتنمية في السلطنة، فانخرط الجميع في البناء وعاد المغتربون، ورجع المُغرر بهم إلى رشدهم، فاحتوى الوطن الجميع. وهذا المبدأ تعامل به جلالته في بداية النهضة المباركة وأيضاً في فترات لاحقة في بعض المواقف التي مرت بها السلطنة واستطاع جلالته بحكمته وبصيرته أن يقود عمان إلى بر الأمان ولله الحمد والمنة.

كما اهتم جلالة السلطان وحكومته الرشيدة في بداية عهد النهضة بالتعليم، وفي خطاب جلالته بالعيد الوطني الثاني يقول: "وكان لنا في ميدان التعليم حملة بدأت للوهلة الأولى وكأنها تهافت الظمآن على الماء"، "فالمهم هو التعليم حتى تحت ظل الشجر". لم يكن مصدر التعليم فقط هو التعليم الرسمي، فقد أكد جلالته مرارا على الاستفادة من تراث عُمان الديني والفكري والثقافي، وأن التواصل بين الأجيال ونقل القيم الحميدة ينبغي أن يكون في المدرسة وخارج المدرسة. وجاء في خطاب جلالته في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 2011 "وإننا نؤكد على ضرورة أن تغرس هذه السجايا الحميدة والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة أظفارهم في البيت والمدرسة والمسجد والنادي وغيرها من محاضن التربية والتثقيف".

فعلى الرغم من أنَّ الأمور لم تكن مستقرة في كافة أرجاء السلطنة في السنوات الأولى من عهد النهضة المظفرة، لم يكن تركيز الحكومة منصبًا على الجانب الأمني والعسكري فقط، بل كانت التنمية تشمل كل المجالات التي تخدم المواطن وتؤمن له سُبل العيش الكريم، وهذا يدل على حكمة جلالته وسعة أفقه، بل لم تكن التنمية مقتصرة على الداخل فشملت أيضًا العلاقات الخارجية والتواصل مع الأشقاء والأصدقاء، وحلم جلالته كما قال في كثير من لقاءاته أنّه لا يريد أن يرى في خريطة العالم دولة لا تربطها علاقات طيبة مع السلطنة، فأصبحت علاقات السلطنة وسفاراتها ممتدة في جميع أنحاء المعمورة، وأصبح العُماني يسافر ويتنقل ويزور معظم دول العالم بحرية وله احترامه وتقديره.

لقد أرسى جلالة السلطان المعظم أركان الدولة على العدل، والعدل أساس الحكم، فأنشئت المؤسسات القضائية والعدلية، التي تضمن صون حقوق الجميع، ولا نبالغ عندما نقول إنَّ السلطنة قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال وهي سابقة لكثير من الدول الخليجية والعربية، فأصبح الجميع يقف أمام القضاء سواسية، والمحاكمات التي جرت لبعض كبار المسؤولين في الدولة خلال السنوات الماضية أحد هذه الدلائل. وهنا نقتبس ما جاء في خطاب جلالته السامي في افتتاح مجلس عمان في نوفمبر 2011 "فدعمنا للقضاء واستقلاليته واجب التزمنا به واحترام قراراته بلا محاباة أمر مفروغ منه فالكل سواسية أمام القانون)، وكل هذا رسخ قيم الأخوة والمحبة في المجتمع العماني الذي هو بطعبه يتحلى بتلك القيم الحميدة".

قد لا يُدرك البعض النقلة الكبيرة التي مرت بها السلطنة والشعب العماني منذ تولي جلالة السلطان قابوس مقاليد الحكم في البلاد، فعلى سبيل المثال كان العماني يتغرب عن بلاده بحثًا عن لقمة العيش في كثير من البلدان المجاورة والبعيدة أيضًا ويمتهن أي مهنة، لكن في عصر النهضة الحديثة توفرت للعمانيين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة سبل العيش الكريم المختلفة، ولله الحمد والمنة. ومن أراد أن يعرف حجم التطور والتغيير الذي مرت به عُمان فليجلس إلى كبار السن ويسمع منهم، وهنا ندعو إلى أهمية توثيق التاريخ العُماني الحديث والقديم، وتوثيق السير الذاتية والتجارب الإنسانية العمانية.

مع كل الطموح والأهداف السامية والكبيرة التي رسمها جلالة السلطان المعظم للنهضة المباركة، إلا أنَّه كان يربطها بالواقع والإمكانات المتاحة، وكما يقال لكي تتقدم إلى الأمام عليك أن تعرف موقعك الحقيقي وإمكانياتك المتوفرة، ومن هذا المنطلق فجلالته ربط مسيرة وخطط النهضة بواقع عمان السياسي والجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والديني والجوانب الأخرى، ولهذا كان له الأثر الكبير في صمود السلطنة ومسيرة نهضتها في خطى ثابتة ومدروسة أمام الكثير من التحديات التي مرت بها السلطنة والمنطقة والعالم، ربما هذا يحتاج الكثير من الدراسة والبحث لإبراز فكر جلالته وحكمته في هذا الجانب.

عجلة التنمية مستمرة، هذا ما يؤكد عليه جلالته في معظم خطاباته ولقاءاته، فمع التطور الحاصل والمنجزات المتحققة، هناك دائماً تطلع نحو مستقبل أكثر إشراقا، كما جاء في خطاب جلالته في عام 2014 من ألمانيا، وهو الذي جاء بردا وسلاما على عُمان وأهلها ليطمئنوا على صحة جلالته "إنه لمن دواعي سرورنا أن نحييكم وبلدنا العزيز في هذه الأيام المباركة على مشارف الذكرى الرابعة والأربعين لمسيرة نهضته الظافرة التي تسير وفق الثوابت التي أرسينا دعائمها منذ اليوم الأول لها وإننا لنحمد الله عز وجل ونشكره ونثني عليه على ما يسر لنا من رشد وصلاح للأخذ بهذه المسيرة نحو دولة عصرية راسخة الأركان ماضية بكل عزيمة نحو مُستقبل مشرق واعد من التطور والنماء". فجلالته هنا يؤكد على استمرار البناء والتطوير والتنمية في كل المجالات، وهنا يجب على الجميع أن يعي ذلك كل في مجاله من أجل بناء عمان ورفعتها.

حفظ الله جلالة السلطان المعظم وأسبغ عليه نعمة الصحة والعافية، وحفظ الله عمان وأهلها وندعوه أن يزيدهم من واسع فضله، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان.

تعليق عبر الفيس بوك