المجتمع الناجح

 

 

جابر العماني

المجتمع هو أكبر مجموعة بشرية تمتاز بالعلاقات الواسعة من جميع النواحي المختلفة، كما بين ذلك ابن خلدون عندما قال: "يحتاج كل فرد في المجتمع إلى الفرد الآخر"؛ فهناك الخباز، والبنَّاء، والمعلم، والطبيب، والمهندس، والدكتور...وغيرهم من الداعمين للمسيرة الاجتماعية؛ فمن الطبيعي أن كل فرد من هؤلاء بحاجة ماسة إلى الآخر ليتمكنوا من تقديم خدماتهم للمجتمع بشكل أفضل وأكمل وأحسن.

وهنا، نقول إن العلاقة بين أفراد المجتمع هي علاقة تبادلية ليست محصورة لأحد دون أحد، وأهم ما في المجتمع أن علاقاته الاجتماعية عادة ما تكون ثابتة ودائمة وليست لفترة محددة.

فالعلاقات الاجتماعية تنظم بحسب مفهوم المجتمع للحياة، وكل تلك المفاهيم الاجتماعية تنبثق من العقيدة من جهة، ومن ثقافة المجتمع من جهة أخرى؛ فعندما نريد الحديث عن المجتمع العربي مثلا فمن الطبيعي والبديهي أن جميع مفاهيمه وتنظيماته وإرشاداته أخذت من التعاليم الإسلامية السمحة؛ فأصل العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...وغيرها جاءته من الإسلام الحنيف.

فعندما نريد تطوير ونقل المجتمع الإسلامي إلى حياة أفضل وأجمل وأكمل، فلابد أن لا نكتفي بالبحث في حقيقة الأفراد باتجاهاتهم الخاصة، وإنما يجب البحث عن الأفراد الذين سخروا إمكانياتهم وتوجهاتهم؛ من أجل صناعة المجتمع الناجح المهتم بالمصلحة العامة، التي من خلالها يستطيع الجميع أن يرتقوا بالمجتمع، ويجعلوه مجتمعا ناجحا واعيا، بعيدا عن الانزلاقات والانحرافات الفكرية والنفسية.

وهنا، نستطيع أن نقول إن المجتمع الناجح يتألف من عنصرين مهمين بهما يستطيع أفراد المجتمع أن يرتقوا بمجتمعهم إلى حياة أفضل وأجمل وأكمل.

 

* العنصر الأول: الأسس السليمة؛ وهي: العلم والخبرة والكفاءة.

* العنصر الثاني: عدم وجود الاستعلاء والتكبر والتفاخر؛ فيجب على الجميع أن يكونوا سواسية كأسنان المشط أمام القانون والقضاء، كما ينبغي الابتعاد عن الطبقة البغيضة التي تنشأ وتقوم على العنصرية والثروة والمال والمنصب والمركز الاجتماعي أو على أسس قبلية أو طائفية، فإن بناء المجتمع الناجح السليم لا يقوم إلا بالقيم السليمة والصحيحة؛ وذلك بالعمل الجاد والمخلص من الجميع فكل ذلك حتما سيعطي المجتمع ديناميكية في الاتجاه الصحيح والسليم؛ فالمجتمع كمثل النهر الكبير الذي يمتلك طاقة هائلة جدا، فإذا وجهت تلك الطاقة الهائلة في الاتجاه السليم وحفرت لها قنوات ملائمة وسليمة، حتما ستتحرك هذه الطاقة عبر القنوات، وستعطي ثمارا طيبة وجميلة ومناسبة للجميع، ولكن إذا كانت هذه القنوات غير سليمة ومتناقضة الاتجاهات، فإنَّ المجتمع حتما سيغرق ولن يستفاد منه بشيء، وسرعان ما سيتحطم ويموت ويندثر، ويتحول إلى مجتمع راكد؛ لأنه لم يحافظ على قدسية الركائز الاجتماعية.

ومن أهم الركائز الاجتماعية التي لابد من توافرها لتطوير ونجاح المجتمع؛ هي: العدالة الإنسانية التي ينبغي أن تكون شاملة للجميع للحاكم والمحكوم، للغني والفقير، للقوي وللضعيف، حتى تؤتي ثمارها؛ فالعدالة نظام اقتصادي اجتماعي جميل، الهدف منه إزالة الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع.

وهنا، اختم بكلمة لسيد الكلام الإمام علي بن أبي طالب، وهو رجل العدالة الإنسانية الذي يقول: "أقنع من العيش بأن يُقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الحياة وأكون أسوة لهم في جشوبة العيش، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع أو لا طمع له بالقرص".

تعليق عبر الفيس بوك