استطلاع إلكتروني

هل يغني "تويتر، وأخواته" عن المنَصَّات الورقيّة؟

د. أحمد الدوسري – البحرين


    الربيعي: عطر الورق والأحبار، وَهْمٌ يُهيمنُ علينا، وكَبِرنا ونشأنا على استنشاقه مُرغمين.
    ثائرة عقرباوي: ليس بديلا عن الورق بالنسبة لأمثالي ممن يحبون عطر الورق والحبر.
    الذروي: تويتر منصة انطلق منها البعض، وفكّ قيدَ وخَجَلَ قلمه.
    د. سعاد أبو شال: مهارة المعاصرة والمواكبة والمرونة والتنقل بين الورق ولوحة المفاتيح مطلوبة.
    مخايل: مَن خاض تجربة الورق، وهي المساحة الأصعب، سيرى تجربة تويتر أسهل.
    سميرة الشريف: الكاتب المُحترف مازال يتنفس محبرة مداد فكره.
...........................
قبل الدخول إلى القضية نورد في هذا المقام قولا مستغربًا منسوبًا لـ(أمبرتو إيكو) والذي صرّح فيه بأن "أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتمّ إسكاتهم فورًا. أمَّا الآن فإنّ لهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل.. إنه غزو البلهاء!" وكان السؤال الكاشف، من فوق منصة تويتر أيضا موجعًا ومؤرقًا حول الصراع بين (الورقيّ والإلكترونيّ)، واختلاط الحابل بالنابل والاحترافي بالهاوي حينا والأدعياء أحيايين كثيرة ورغم مرارة السؤال/ القضية: هل مات الكاتب المحترف؟ هل يغني تويتر عن المنصات الورقية؟ فليس أمامنا إلا أن نعيد حلحلة خيوطه المتشابكة عبر جلسة افتراضية في دهاليز تويتر وعبر منتدى مباشر،  وِفقَ تقنيّة التفاعل الفائق على منصة (تويتر)... فشَارَكَنَا همَّ القضية عبد الرزاق الربيعي، وآمنة الذروي، ود. سعاد أبوشال، وثائرة عقرباوي، وسميرة الشريف، ونور فارس، والزميلة مخايل، وحساب آخر باسم مستعار يُدعى (ألف باء.. اقرأ)، وكانت المناقشات ثريّة للغاية وأشبه بالدفقات الشعريّة تارةً، ومدادِ أقلامٍ تسيلُ وجعًا تارةً أخرى، وفي بعض الأحيان ربّما كانت باقات ورد يضعها المتحاورون على "قبر الكتابة" الاحترافيّة.. فإلى القضية..
إنّ الكثير من الكتاب المحترفين لم يستطيعوا ارتداء (ثوب تويتر)؛ فقط قِلّة منهم استطاعت أن تَعبُر إلى (الجماهير التويترية) بنجاح وبأضرار جانبية أقلّ.
فعقَّبت ثائرة عقرباوي: "الكاتب المحترف لا يموت مادامت هناك حياة.. وتويتر منصة مثل غيره من منصات الفضاء.. ليس بديلا عن الورق بالنسبة لأمثالي ممن يحبون عطر الورق والحبر.."  
بينما أضافت آمنة الذروي مضيفةً لوجهة نظر جديدة بعد أن اتفقت مع ثائرة عقرباوي: "لم يمت الكاتب المحترف. بل أن بعضهم كان تويتر بالنسبة له منصة انطلق منها، وفكّ قيدَ وخجل قلمه. وبرغم مساويء هذاالبرنامج إلا أنه كان أرضًا خصبه حتى لبعض الأفكار.
وإنْ اتفق الشاعر والمسرحيّ عبد الرزاق الربيعيّ مع ثائرة عقرباوي وآمنة الذرويّ إلا أنه أكد بأن مكانة الكاتب المحترف تظل محفوظة، و( تويتر) لا يغني عن المنصات الورقية بالطبع، لكنه يبعث إشارات تحفز، وتَحثّ على البحث في الورق لمن يود الاستزادة.
بينما الكاتبة مخايل اتفقت مع الجميع في القول بأنّ الكاتب المحترف لم يمت؛ ولكن فضاء الكاتب هو الذي يخلق أنماط القراء وأنماط القراءة الحقيقية. أما تويتر فلا يغني عن المنصات الورقية بالتأكيد.
بينما أشارت الدكتورة سعاد أبو شال إلى نقطة غاية في الأهميّة تضمنت تحذيرًا للكتّاب ونصيحة يستوجب العمل بها فأكدتْ بأنّ منصة "تويتر": "عرفت المنكر وأنكرت المعروف في كثير من الأحيان.. بأنّ مهارة المعاصرة والمواكبة والمرونة والتنقل بين الورق ولوحة المفاتيح مطلوبة، وإلا فمعناه أن يحشر الكاتب نفسه في زاوية لا يخرج منها". وأضافت: " لأن معايير النجاح في الكتابة الورقية تختلف عن معايير النجاح في الكتابة الرقمية عامة والتويترية بوجه خاص ومن يتقن كلا المعايير هو الناجح".
غير أنّ الأستاذة سميرة الشريف بعد أن وافقت الجميع في القول: "بأنّ الكتابة الاحترافيّة لم تمتْ" فقد وضعت يدها على جوهر القضيّة بقولها: "احترافية الكتابة تبدأ من القراءة ولنا أن نقتني الكتب التي تبني في الروح والفكر أحاديثًا وعلومًا وأفكارًا جلية النفع.."
وتقريبًا توافق صاحب الاسم المستعار (ألف باء.. اقرأ) مع الجميع وجاء تعبيره شاعريًا ووصفيًا وتشبيهًا للكاتب المحترف بالربيع فقال: "الكاتب المحترف كماء الربيع أينما حل نفع، وتويتر له خاصيته؛ فهو عالم آخر مثل اختراع الكهرباء، وفي النهاية يبقى الورق عَالمًا وحده، لأنه حي تلمسه وتشتمه وتحتضنه".
وعقّب د. أحمد الدوسريّ على الجميع بقوله: "أتفق معكم؛ لكن هناك كُتابا في تويتر حققوا حضورا جماهيريا وهم ليسوا كتابا بالأساس. أى أكثر من المحترفين. وأتساءل هل سيبقون في هذا الفضاء الافتراضي؟
وتوجَّه د. الدوسريّ بالسؤال مباشرة إلى الشاعر والمسرحي عبد الرزاق الربيعيّ: "بو دجلة سؤال لك: هل تويتر منصتك الرئيسية أم الصحافة الورقيّة أم الكِتاب؟ أم إنك لا تستطيع الاستغناء عن أي منها؟
وعن مسألة "الاحترافيّة" على منصة "تويتير" وبقية وسائل التواصل الاجتماعي  التي أشار إليها الدوسريّ أجاب عبد الرزاق الربيعي بأن "تويتر" أصبح وغيره من الوسائل الافتراضية مثل قاعات الجماهير أيام زمان"، و"مثلما الكل صار يلتقط صورا عبر الهواتف، ويشارك ببعضها في مسابقات تنال عددا كبيرا من المشاهدات؛ لكن هذه لاتدخل في خانة الاحتراف، وتظل تغرد خارجه".
وعقَّبَت ثائرة عقرباوي قائلةً: "الكتابة مثل باقي الفنون تحب من يتكبد عناء الحضور إليها... وأن يكون التواصل مباشرا.. وأن تقرأ ردة الفعل في وجه من يحضرك وربما في صوته" وساقت شاهدًا ودليلا تراثيًا من تراث عبد الله بن المقفع فأوردت مقولته الشهيرة: "القلم بريد القلب" وذيَّلتها بعبارة عاميّة ساخرة: (بَسْ ما كان عنده نِتّ)..  دام مدادكم جميعا.
وعقَّبت الزميلة (مخايل) قائلةً: "الكتابة الحقيقية شئ، والحضور الجماهيري شئ آخر.. هناك كتاب حقيقيون خلقوا فضاءً شاسعًا للأجيال عبر الورق، رغم جماهيريتهم المتواضعة، أما في "تويتر"،، فهل بالإمكان ان نرى ذلك المعيار الحقيقي لسطوة المتلقي واعني بالمتلقي، من لهم سطوة النقد في ظل تغريدة بعدد بسيط من الكلمات؟
وتساءل الدوسريّ لجلاء الحقيقة عن مسألة أخرى قائلا: مَنْ الافتراضيّ؟ الكاتب أم التويتريّ؟ بالنسبة للناس؟ بعد أن صار الكُتَّاب بعيدين عن الواقع؟
هل لأن الكاتب يتروى قبل أن يكتب، والتويتريّ يستجيب للراهن أولا بأول ولا تعنيه معايير الكتابة ولا الكُتّاب؟
فعقَّبت آمنة الذروي: لا أعتقد بالبقاء الدائم.. لكن المتغيرات والتسارع الذي نعيشه والتنقل بنا في لحظات عوالم أخرى قد نجدنا في شيء سواء أكان التويتريّ هوالافتراضي أم لا لكن الآن أرى أنه اضمحل وتعمّق في الواقع ولم يعد يهتم سوى بالمشاهير وهؤلاء جاءوا من الافتراضيّ والكتابة هى من تثبت الواقع ولم تستوعبه عقولنا بعد وتطورات جديدة.
بينما أكد الشاعر والمسرحيّ عبد الرزاق الربيعيّ بأنّ كلّ منصة تكمل الأخرى، تويتر للتواصل والتعليقات السريعة، والصحافة لشريحة أخرى من القراء، والتوسع أكثر، والكِتاب للأرشفة، والمعارض، والمكتبات.
وتعقيبا على كلام الربيعيّ قالت الدكتورة سعاد أبو شال: أحسنت أعجبني هذا التفريق بين الكتابة العادية والكتابة الاحترافية، تشبه تفريقنا بين النثر، والنثر الفنيّ. فالكتابة الكلاسيكية حصرت الكتابة في الصفوة والنخبة المثقفة وكان جمهورها مثقفا كذلك، أما تويتر فجعلت الكتابة والقراءة متاحة للجميع.
وأضافت سميرة الشريف بأن الكاتب المُحترف مازال يتنفس محبرة مداد فكره، راسمًا من حروفه سطورًا ذات قيمة رنانة حتى تبقى خالدة في عقول مُتأمليها.
وأكدت الزميلة مخايل على ضرورة البداية من الورق قائلة: "إنّ مَن خاض تجربة الورق، وهي المساحة الأصعب، سيرى تجربة تويتر أسهل. والورق فضاء فضفاض يشعل جذوة التأمل أكثر، لذلك تويتر مكمل للتجربة الثريّة".
وعقَّبَ بدوره الدوسريّ مؤكدًا "أن معايير النجاح في الكتابة الورقية تختلف عن معايير النجاح في الكتابة الرقمية عامة، والتويترية بوجه خاص ومن يتقن كلا المعايير هو الناجح".
وتساءلت مخايل: هل مخترعو الفيسبوك وتويتر، ومن ساهم فيها، لديهم بلوغر أو مدونة أو منتديات ولم يهجروها؟ ولماذا أغلب الخليجيين هجروا المنتديات أو المدونات؟ ولم يطالبهم أي إنسان بتركها أو هجرها.. إنّ أداة تفعيل المنتديات، وأعني أداة ربط المنتدى بتويتر، موجودة.. فلماذا لا يتم تفعيلها وتنشيطها كمكمِّل؟!
وعقَّب الدوسريّ عليها قائلا: سؤال وجيه من الأخت مخايل.. لماذا؟ عن نفسي أنا مقصر لكن على الاقل لدي صفحتي على شبكة الإنترنت، وأعتقد أيضًا أنّ معظمى الكتّاب لديهم صفحات مماثلة، ولكن فقط نحتاج إلى القراءة المطولة، ونحتاج إلى المراجعة. وأغلب الكُتاب يحتاجون إلى موقع وبلوغر... إلخ ويجب الربط بين المدونات وتويتر أو المنتديات والمواقع، وإن كان تويتر مجرد إشارات فيجب أن تحيلنا إلى الخاص.
وقالت أمنة الذروي "عن الورق يادكتور، وعطره فهو مازال للمعظم مكانًا يلوذ إليه كلما تصحّرت الذاكرة. أما عن نفسي فأنا أعشق الورق ورائحته وملمسه وأدوِّن معظم أفكاري بالهوامش.
واتفقت معها الدكتورة سعاد أبو شال مؤكدةً: "لصرير القلم صوت لا يبرح القلب والذاكرة"
وامتدحت آمنة الذرويّ تعبير الدكتورة سعاد بقولها: "صَدَقْتِ؛ بل إنه – الكتاب - بين ذراعي قارئه كطفل في عينيه يريد الاهتمام ويضج به ورقه حين يحتضنه على غرة. الكتاب صديق صدوق في حين يخذل الأصدقاء". ةالكاتب الحق لا يهتم سوى بكتابه، والحضور الجماهيري هو من يهتم لحضوره وكتاباته. ولنا في الأولين أكبر مثال. ومع ذلك فالكاتب المبدع عالم يستحق أن يؤتى إليه والقارىء الجاد سيذهب إليه والشاعر قال: ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهر".
وعقَّبَ عبد الرزاق الربيعيّ على تعبير د. أبو شال: قائلا: "إي والله ما أحلى الصرير" غير أنّه تَحَفَّظَ على تعبير "عطر الورق" قائلا: بأنّ هذا العطر، (عطر الورق والأحبار)، وَهْمٌ يُهيمنُ علينا، وكَبِرنا ونشأنا على استنشاقه مُرغمين، واليوم صار ميزةً نَحِنُّ إليها!! و"تظل مكانة الكاتب المحترف محفوظة،و( تويتر) لا يغني عن المنصات الورقية بالطبع، لكنه يبعث إشارات تحفز، وتحث على البحث في الورق لمن يود الاستزادة".
ودعت سميرة الشريف إلى استثمار الكُتَّاب لمنصات التواصل الاجتماعيّ وتساءلت لِمَا لا تكون جانبًا من بناء الإنسانية؟ فبمقدور العقل المُفكر أن يستثمر الجانب المشرق دومًا دون الانشغال بأمر العتمة.
وقال الدوسريّ: "يبقى للورق نكهة"، و"صارت الكتابة لدينا بطعم الورق" وإذا كانت منصات التواصل الاجتماعيّ قاعة لا سقف لها ولا نهاية، وعالم موازٍ، و"تويتر" مثل اختراع جديد هزَّ ما قبله هزا... ونحن مخضرمون بين ذاك العالم القديم وهذا الآتي بسرعة الضوء، والكتابة مثل باقي الفنون تحب من يتكبد عناء الحضور إليها... أن يكون التواصل مباشرا.. أن تقرأ ردة الفعل في وجه من يحضرك وربما في صوته. صحيح وُجِدتْ فجوة في باديء الأمرلكنها رُدمت حين تجاوزنها، وتَقَولَبنا بالعالم الجديد وهذا يدل على شغف حبنا للحاضر حيث تحرَّرت لنا أفكار لم يكن لها أن تحيا إلاهنا. إذا كان روّاد المنصات الرقمية مبدعين في الظل وجماهيريين بلا إبداع فإن لكل قاعدة استثناء، ولا أظن غاب النقد فيها وحضرت القسوة والفوضى، فمازال الكاتب الحقيقي حاضرًا يعتني بالكلمة، ولا يتلعثم في سرد الجمال المُتواري بين زواياها، وهو حاذق مُتأملٌ مُتمهل لا ينطق إلا بما نطقت مشاعره صدقًا..  والكتابة مهمة مؤرِّقة، ونحن بحاجة لرصّ صفوف المعرفة، والقراءة العميقة لا غنى عنها. وممتن لجميع المشاركين في هذا الحوار الجاد وأختتم بكلام يثلج صدر الجميع من الزميلة نور فارس: (مساء الجمال لا شيء يعدل مزاج اليوم إلا إلقاء فخم، وكلمات فاخرة، وإخراج بديع.. والله يادكتور يشرفني المشاركة ولكن قال سادة الكلم كل ما اختلج في نفسي. وحين قرأت سؤالك فما وجدت إلا ترتيل آيات الشكر، ولو أن كل الحوارات بهذا الرقي لكانت الأرض غير الأرض لا أجد ما أضيف فقط تمتّعتُ فأَبيتُ إلا أن أشكركم لجميل حواركم وكل التقدير".

تعليق عبر الفيس بوك