قضية الروهينجا وفخ التنين

 

 

علي المعشني

مينانمار.. ورسمياً جمهورية اتحاد ميانمار (بالبورمية: وتعرف أيضاً باسم بورما، هي دولة بجنوب شرق آسيا. في 1 أبريل 1937 انفصلت عن حكومة الهند البريطانية نتيجة اقتراع بشأن بقائها تحت سيطرة مستعمرة الهند البريطانية أو استقلالها لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة، حيث كانت إحدي ولايات الهند البريطانية تتألف من اتحاد عدة ولايات؛ هي: بورما، وكارن، وكابا، وشان، وكاشين، وشن. وفي 1940، كونت ميليشيا "الرفاق الثلاثون" جيش الاستقلال البورمي، وهو قوة مسلحة معنية بطرد الاحتلال البريطاني، وقد نال قادته "الرفاق الثلاثون" التدريب العسكري في اليابان، وقد عادوا مع الغزو الياباني في 1941 مما جعل ميانمار بؤرة خطوط المواجهة في الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا واليابان، في يوليو 1945، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، حتى إنَّ الصراع الداخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موال لبريطانيا وموال لليابان ومعارض لكلا التدخلين، وقد نالت استقلالها أخيراً سنة 1948م، وانفصلت عن الاستعمار البريطاني. ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية ويطلق على هؤلاء (البورمان)، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أركان بوما، وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات.

يُسمَّى سكان بورما بالبورميين، وأغلبهم من البوذيين، ويقطنون في قرى حول الدلتا وحول وادي نهر آراوادوي، والأغلبية من أصول من وسط آسيا وفدوا إلى المنطقة وهي أكبر مجموعة عرقية في البلاد تشمل نحو ثلثي السكان. أما المجموعات الأخرى، فتشمل الكارين وشان والاراكانيس وتشين وكاشين ومون وناجا ووا؛ حيث يسكن حوالي 75% منهم في المناطق الريفية والبقية في المدن.

في بورما "ميانمار" عدد السكان يزيد على 55 مليون نسمة، يشكل البوذيون منهم السواد الأعظم، ويتقاسم النسب الأخرى كل من المسيحيين والهندوس والمسلمين يقطن نصفُهم في إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة) (ويكيبيديا الموسوعة السياسية).

سبق لي وأن نشرت قبل عامين مقالًا عن قضية الروهينجا حين اندلعت وتصدرها الأخبار في بعض البلاد؛ حيث ذكرت أنَّ قضية الروهينجا ما هي الا إحماء قادم -بلغة الرياضة- لاقتحام عقر دار التنين الصيني عبر بورما المحاذية للأقليم الصيني الملتهب "التبت" ولإيقاظ نزعات الانفصال لدى قوميات كالإيجور المسلمة في الصين ذات الجذور التركية. اليوم تجلت الصورة أكثر حين جيش المتأسلمون العرب غرف عملياتهم السوداء المظلمة ليملأوا الأرض ضجيجًا مُفتعلًا كعادتهم لاستدرار العواطف الدينية والمشاعر الإنسانية لدى عموم المسلمين بإعلانهم الجهاد في بورما لنصرة أقلية الروهينجا المسلمة، ودعموا حملتهم بأعداد لا حصر لها من فبركات الصور، والتي سبق وكنا ضحايا لها عبر فصول الربيع الغربي الصهيوني المشؤوم الذي أسموه بثورات الربيع.

وفي السياسة، هناك حقائق جذرية لا يُمكن تجاوزها أو إغفالها، وهذه الحقائق كالمعادلات الرياضية التطبيقية التي لا تعرف الاجتهاد أو التغيير، ومن ألمَّ بهذه الحقائق والمسلمات في السياسة فقد أؤتي الحكمة والبصيرة والفهم الكبير لما يدور حوله من أحداث في العالم. قلنا ومنذ بداية الربيع المشؤوم بأنه إذا سلمنا بأن ما يحدث في وطننا العربي هو ثورات وليست انتفاضات خبز ومطالب معيشية وإصلاحية، فإنَّ الغرب الاستعماري عبر تاريخه غير معني بالثورات من الأصل، بل من ألد أعدائها وله نظريات ومؤلفات عن الثورات وطرق إفشالها؛ وبالتالي فمجرد دعم الغرب وتبنِّيه لهذه "الثورات" يجعلها تحت تصنيف آخر مشبوه غير الثورات. الأمر الثاني: إنَّ الأمم المتحدة ومنذ نشأتها وحتى اليوم لا يوجد في ميثاقها ما يدعم الثورات أو يعترف بها، وفوق هذا رأيناها تبعث الموفدين وتستضيف المؤتمرين والوفود لهذه الثورات؛ الأمر الذي يستنتج منه أنها شريكة في المؤامرات، وعلى حساب مبادئها وميثاقها وأهدافها.

ما حدث في بورما هذه المرة اختلف بعض الشيء في السيناريو، ولم يختلف في النتيجة والهدف، فأمريكا والكيان الصهيوني يقفان مع النظام البورمي بالسلاح والتأييد السياسي، بينما ثلة من العرب يؤججون الساحة في مشارق الغرب ومغاربها ضد الحكومة البورمية ونصرة أقلية الروهينجا كما يزعمون.

وهذه الأدوار طبيعية لحشد الرأي العام العربي والإسلامي وبعض العالمي، بوجود مؤامرة إبادة ضد مسلمي بورما بأياد بوذية وصمت ودعم غربي. فالموقف الأمريكي الصهيوني طبيعيان؛ لأنَّهما يعتبران -وفق السناريو- القضية مسلمة ولا تعنيهم، والأمر الثاني الظهور بمظهر المتذاكي على الصين والبوذيين بأنهم ليسوا ضدهم.

قضية الروهينجا تطرح على العقلاء جُملة من الأسئلة كقضية عرقية، وقبل التعريج على محطتها النهائية وهي اقتحام عرين التنين وترويضه أو إرباكه:

- توقيت تأجيج قضية الروهينجا أتى بعد نكبة داعش في سوريا وخسرانها المبين؛ فكان لابد من فتح جبهة جديدة، والبحث عن عدو جديد في جذوة المد الداعشي وتوظيفًا له وفق الخطة (ب) من مخطط إستراتيجية الربيع الغربي العابر للقارات، وفق نظرية حروب الجيل الرابع.

- مسلمو الروهينجا يقيمون على أرض دولة بورما، لكنهم ليسوا من نسيج الشعب البورمي، فهم أشبة بفئة البدون في الوطن العربي، أي أنَّ مسلمي بورما شيء ومسلمو طائفة الروهينجا شيء آخر.

- هل يُعقل أن تقوم دولة بورما بقتل وإبادة مسلمي الروهينجا ثم تقوم بتوثيق ذلك ونشره بفخر على العالم؟!

- هل يُمكننا كعقلاء وبعد أن شهدنا بأعيننا الجهاد الأطلسي في أفغانستان وجهاد النكاح في العراق وسوريا أن نُلدغ من ذات الجحر مرتين، ونصدق ترهات كل ما يُنشر عن الروهينجا ونصدقه؟!

- كيف يُمكن لعاقل أن يصدق أنَّ هناك جرائم ومذابح تُرتكب بحق طائفة في بلد يتكون من فسيفساء دينية وعرقية، ويتعانق فيه الجامع مع الكنيسة والمعبد، ويتعايش فيها المتدين مع الملحد؟!

- ماذا يريد هؤلاء المتاجرون بالدين من مسلمي الروهينجا؟ وأين حميتهم ونخوتهم وإنسانيتهم من دماء أهالي فلسطين والعراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن والتي تسيل بلا ثمن؟!

- لماذا بوصلة الجهاد نحو مشارق الأرض ومغاربها، ولا تعرف بوصلة فلسطين حتى باللفظ؟ ولماذا الطابور ذاته هو من يتصدَّر الأحداث؟!

- لماذا نجهل عداء الغرب للصين ومحاولاته المستميتة لضرب تنميتها واقتصادها، وإشغال وتيرة نموها بدءًا من أحداث ميدان تيان آن مين عام 1988م، ولغاية اليوم، مرورًا برهان الغرب على عودة كل من هونج كونج ومكاو (الرأسماليتين) للحضن الصيني، وشقهما للشيوعية الصينية؟!

المارد الصيني يردُّ على الغرب ومهاتراته بالإغراق الاقتصادي لمنتجاته وغزو أسواقهم، وبتحريض كوريا الشمالية على إذلالهم وتهديد مصالحهم وحلفائهم في قارة آسيا، والخاتمة الصاعقة للغرب كانت باعتماد الصين عملتها اليوان في التعامل التجاري النفطي مع دول العالم مدعومًا بخيار الذهب، وهذه الخطوة تعني كساد الدولار من التداول تدريجيًّا حين تمتد التعاملات مع الصين جميعها لتصبح تحت سقف اليوان والذهب، ويعني سلامة التحويلات التجارية ما بين الصين والعالم من القرصنة الأمريكية، كما حدث لتجارة إيران الخارجية.

كما أنَّ زعزعة بورما يعني زعزعة مشروعات الصين واستثماراتها في بورما وتمددها بارتياح إلى خليج البنجال.

ما يهمُّنا نحن العرب في هذه المعمعة الدولية هي فهم حقيقة مفادها أنَّ الغرب يعادي الدول والشعوب خدمة لمصالحه، ولكنه لا يظهر مطلقًا بصورة المعادي للقوميات والأديان، وجعل لبعض العرب الأتباع هذه المهمة القذرة والتي تمتدُّ ثأرتها لقرون طويلة، ويكفي أن نعلم حقيقة أننا نحن العرب واجهنا عبر تاريخنا أحقادَ وثأرات كل الأديان السماوية والوضعية بعقلياتنا الإقصائية وتبعيتنا المُذِلة للغرب؛ فحروبنا مع الإفرنج والمسماة زورًا وجهلًا بالصليبية أورثتنا عداء الكنيسة البروتستانتية وأتباعها لغاية اليوم، ثم واجهنا اليهودية بعد احتلال فلسطين وما زلنا، وعجزنا عن التفريق ما بين اليهودية والصهيونية، فخلطنا الحابل بالنابل. وفي العام 1981م، قام الشاب التركي المغرر به محمد علي أغجا وبدون سابق مقدمات بمحاولة اغتيال بابا القاتيكان بولس الثاني، فجيَّشنا الكنيسة الكاثيوليكية وأتباعها ضدنا ولغاية اليوم، وبفعل وتأثير المعاهد والمراكز الظلامية التكفيرية والتي تنتشر كالفطر في الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين، نحرنا الأبرياء، وأججنا الفتن والذبح المجاني بين مكونات تلك البلاد وطوائفها ومذاهبها. وفي العام 2002م، قامت حركة طالبان بتدمير تمثال بوذا في أفغانستان لتدشن صراعًا دمويًّا دينيًّا بين المسلمين والبوذيين.

نحن العرب، وبفعل أذناب أمريكا منا، صنعنا الموت والدمار والخراب، ووزعنا العداء بمجانية وسخاء على كلِّ شعوب الأرض وبلا استثناء، بفعل ترويج الفكر الإقصائي والسكوت على انتشاره، وستدفع الأجيال الكثير من ردود الأفعال السالبة لعقود في مشارق الأرض ومغاربها. وقضية الروهينجا اليوم ما هي إلا حلقة في سلسلة الغباء العربي المعاصر لتوسيع الكراهية والبغضاء وتبادلها مع شعوب الأرض، مقابل حصد الكراهية والبغضاء والثأرات وخدمة للعرش الأمريكي لا أكثر.. وبالشكر تدوم النعم.

--------------------------------

قبل اللقاء: يقول الحق تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات:6).

Ali95312606@gmail.com