العالم والمثقف وما بينهما

محمد عبد العظيم العجمي - مصر


العالم فى دهاليز العالم الثالث غالبا ما يكون صاحب اجتهاد فرديّ، فليس هناك من الأدوات أو المؤسسات التى تقوم بحق النبغاء والنجباء حتى تصنع منهم علماء حتى أضحى العالِمُ إنسانا الذي شغوفًا بالمعرفة ليس إلا ومن ثَمَّ راح يفطن إلى قيمتها ويعطيها من قوته ووقته، فبذل فيه حشاشة نفسه، وأوقد شمعة نباهته، وجفا النوم مضجعه، وأقضَّ قليل المال مرتعه، حتى إذا ما مَنَّ العلم عليه واستكمل أدواته بجهد فرديّ خالص، عاد كسيرا فلم يجد تقديرا والمرارة أن يعتقد بأنّ ما حصَّل طوال حياته ليس ذا قيمة ولا جدوى وليس أمامه من خَيارٍ إلا أن يعاود الكَرَّةَ فينبري ليعلمه غيره من الناس ويبثّه فيهم ويقدم البقية الباقية من ذبالة عمره حتى يفنى وهو لم يذكر قَطُّ إلا في مجالسِ بني جلدته من أهل العلم.
وربما تكرمه الدولة فتمنحه وساما أو يُذكر اسمه ضمن قوائم من أفاد منهم الوطن ثم تُوارى ذكراه فى الظل حتى ينتهي به الحال في دهاليز النسيان.
وعلى المقلب الآخر من الحياة نجد صنفا من المثقفين الذين أخذوا بحظ من العلم وتاقت نفسوهم إلى إكمال أشواط رحلتهم لكنهم نظروا حولهم فرأوا الداء فى الأمة عضالا وقد اتسع الخرق على الراقع والجهل متفشيا، والزمان سوطًا كاويًا، والجدّ منطفئا خابيا فشمروا عن ساعد العمل وألقوا خلفهم الأماني والملل من شواغل الحياة ، وانبرى كل واحد يُفطِّنُ العيي، وينبه الغافل ويعلم الجاهل، ويصيح فى كل واد: (... انتبهوا ..انتبهوا .. لا تهينوا المعلم وتحطوا من قدره) لا تحطموا القدوة والرمز فذالكم ضياع للقيم والقمم..)، ثم يصبح فيرى دعوته فى واد ومن ناداهم فى واد حتى ييتملل الوطن في سيره نحو التقدم ويتأخر عن مسابقة الأمم.
وما بين العالم والمثقف تبقى هم تلكم الفئة التى انكفأت على نفسها وتقوقعت على ذواتها تبحث عن صالحها لا مصالح أمتها، وعرفوا كما يقول المثل العربى "من أين تُؤكل الكتف"، وفى خضم انشغال أهل العلم بعلمهم والمثقفون بإصلاح أمتهم، وسواد الناس بهمومهم وأحزانهم والكد فى طلب أرزاقهم وتحصيل معايشهم فقد خلت الساحة للسوقة والدهماء فأصبحوا نجوم الشاشات، وكواكب الفضائيات الكبيرة والصغيرة .. ونجوم الساحرة المستديرة، وباعة الوهم باسم البيزنس  .. وغيرهم.
وكم لعب هؤلاء على وتر الغفلة ومزاحمة أهل العلم والهمّة فخلعوا على ذواتهم الخاوية من الألقاب المدلهمّة ما بين "ناشط سياسيّ"، ووجه اجتماعيّ، و"صناع السعادة "، ومفسّر الأحلام، و"طارد الجان"  وهى أسماء عارية عن الحقائق، مجلبة للانشقاق وعدم التوافق.
فها هم مقدموا برامج "التوك شو" في فضائيات الأقمار الاصطناعية المفتوحة يجمعون ملايين الدولارات ويروجون الأكاذيب والإشاعات، وينشرون الدجل والخزعبلات، وتراهم على كل منبر يصيحون وإلى كل مائدة يجلسونن وفي كل وادٍ يهيمون ولكل بدعةٍ يصفقون ويهللون. فتطير الأوسمة والنياشين لتقف على صدورهم ويأتى المال خاطبا ودّهم من كل حدب وصوب، بينما يبقى العالم والمثقف رهينتين لمحبسين الفقر والمرض إلى أن "يقضى الله أمرا كان مفعولا".

تعليق عبر الفيس بوك