من ذاكرة أعيادنا

طالب المقبالي

تَتَشَابه العادات في مُناسبات الأعياد في كثيرٍ من ولايات السلطنة، مع الاختلاف في بعض التفاصيل والخصوصية من ولاية إلى أخرى. ولعلَّ مُعايشتي لتفاصيل الأعياد في ولاية الرستاق، يجعلني أراها تتميَّز بطابع خاص بها تتفرد به عن بقية الولايات.

فبداية الاستعدادات تبدأ منذ اليوم الأول من شهر ذي الحجة، فقد كانت الحارات القديمة تفوح بين أرجائها روائح قلي البهارات، وأصوات "المواقع" أو ما يعرف بالهاون، التي يُدق عليها البهارات وتطرب الآذان لسماعها، فتتبادل امرأتان دق البهارات، وكل منهما تمسك بالخشبة المعروفة باسم "السفن" وهي خشبة الهاون، هذه تدق والأخرى ترفعها في حركة دقيقة ومتقنة. ثم تفوح روائح البهارات الزكية لتعطر بها أزقة حاراتنا الجميلة.

وفي السوق، تبدأ الهبطة منذ اليوم الأول من شهر ذي الحجة أيضاً، وهي في الرستاق تعرف باسم "الحلقة" نسبة للحلقة الدائرية لمرور الدَّلال بالأغنام داخل السوق، فيصطف الناس في صفين متقابلين تمر بينهما الأغنام، فيتلمس المشتري الدابة ليتحسس كثافة اللحوم عليها.

وتبدأ الحلقة رسميًّا في اليوم السادس وتستمر ثلاثة أيام، وهي اليوم السادس والسابع والثامن، أما في اليوم التاسع فيسمى بسوق "العيايير"، وهو يوم لمن لم يسعفه الوقت للتسوق في الأيام السابقة، والتسمية نسبة إلى أولئك الذي يأتون للتسوق بالصبر أو الدفع الآجل بعد العيد، وبعد العيد لا يدفعون.

أما البقر، فلها سوق خاص، وعادة تبدأ المناداة بعد الحلقة؛ لإتاحة الفرصة لمن فاته شراء أضحيته من الأغنام.

وفي اليوم العاشر، يجتمع أهالي القرية أو الحارة لتناول العرسية أو الهريس في منزل من منازل أهل الحارة قبل التوجه لمصلى العيد.

وفي ساحة فسيحة من الحارة، يجتمع الرجالُ -شيباً وشبانا- ليذهبوا راجلين إلى مصلى العيد، يتقدمهم أحد رجال الحارة بالتهليل والتكبير، ثم يُردِّد البقية خلفه بالتهليل والتكبير، إلى أن يصلوا مصلى العيد. وعادة ما يكون المصلى وسط البلاد كي يسهل الوصول إليه سيراً على الأقدام، وهذا المصلى في هذا الحديث هو المصلى المجاور لقلعة الرستاق التاريخية.

وبعد الانتهاء من الصلاة ومصافحة المصلين بعضهم بعضاً والتهنئة بالعيد، يتوجه المصلون إلى قلعة الرستاق للسلام على الوالي الذي يتَّخذ من القلعة سكناً له ومقرا للحكم في الولاية.

وما إنْ يُشاهد الحرس القائمون على إطلاق مدفع العيد، المهنئين وهم يقتربون من بوابة القلعة، حتى يطلقوا طلقة العيد، وهي طلقة واحدة.

وفي ساحة القلعة، تُقام فعاليات العيود، وهي في الرستاق تعرف باسم "المخرج"، ربما نسبة إلى الخروج إلى الصلاة وبدء فعاليات العيد.

وبعد الصلاة، تبدأ عمليات نحر الأضاحي جماعات أو فرادى، فيما يقوم القائمون على التنور بإشعال النيران في حفرة التنور. وفي المساء، يحضر كل شخص "خصفة" الشواء، وفي الحارات الكبيرة ذات الكثافة السكانية تجمع الخصاصيف في كيس كبير يسمى "القاف"؛ وذلك لتسهيل عملية استخراجها صبيحة اليوم الثالث والمعروف بيوم الشواء.

وتعرف أيام العيد بأسماء الأكلات المشهورة في العيد؛ فاليوم الأول خاص بالعرسية والقلية، وفي هذا اليوم يتم التزاور بين الأقارب والأرحام، ومنهم من يوزع الزيارات لأيام العيد الثلاثة، واليوم الثاني فهو يوم المشكاك، واليوم الثالث يوم الشواء، واليوم الرابع يوم القبولي.

وفي ثاني ثالث ورابع أيام العيد، تقام "العزوة"؛ وهي شبيهة بالمخرج صبيحة العيد، لكنها تتميز بالفنون الشعبية. والعزوة ربما نسبة لفن العازي، ويصاحب هذه الفعالية بيع ألعاب الأطفال والحلويات...وغيرها من المبيعات.

وهناك طقوس معينة تسبق هذه الأحداث لم أتطرق إليها -وهي على سبيل الذكر لا الحصر- قبل أيام يقوم أناس مختصون بإعداد "خصاصيف" الشواء، كما يجتمع أبناء الحارة في مكان معين بالحارة لتجهيز حطب المشاكيك من النخيل كونها لا تتوافر في الأسواق كما هي الحال الآن.

وهذه الطقوس لها متعة خاصة، ولها مدلول على الترابط الوثيق والتكاتف بين أبناء الحارة.

muqbali@hotmail.com