الأسواق التقليدية الموسمية "الهبطة".. والمساحات المفقودة

زينب الغريبيَّة

حِيْن يأتي العيد، يبدأ الجميع الحديث عن الهبطة، خاصة خلال الأيام الثلاثة التي تسبق العيد، سواء كان عيد الفطر أو عيد الأضحى؛ حيث يؤمُّ الناس في كل ولاية مكان الهبطة الذي عرفوه منذ عقود، يذهب الجميع كبارًا وصغارًا رجالًا ونساءً، إمَّا بكونهم شرَّاء أو بائعين، ويلتقي الناس الذين لم يلتقوا من قبل.. إنها عادة تعبر عن تقاليد لا تزال تقاوِم رغم تغيُّر بعض الاحتياجات، ورغم ظهور أماكن التسوق المعاصرة التي توفر بعض احتياجات الناس للعيد. قاومت هذه الأماكن ومرت عليها أجيال وأجيال، وهذا يعبر عن أن هذه الهبطات تراث عُماني لابد أن تتم المحافظة عليه مما يتهدده من زحف العمران، نحو الأماكن التي تُعقَد فيها تلك الهبطات.

تقلَّصتْ المساحات المخصَّصة، ولم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة من الناس، لا سيما في الولايات، لِمَ لا يتم نقل هذه الأسواق إلى أماكن أخرى تكون معروفة للجميع وذات مساحات أكبر، تتَّسع لكميات المعروض من مواشي وحاجيات العيد لشيِّ المشاكيك و"التنور"، فضلا عن كماليات من الملابس للأطفال والكبار، وهدايا للأطفال، لِمَ نجعل ظاهرة جميلة كهذه تخلق بهجة بالعيد في نفوس الصغار والكبار تؤول للانقراض، بسبب وجود الأسواق العصرية، وعدم الاهتمام بتوفير مساحات لها لأنها تخدم فئات معينة من المواطنين البسطاء؟! لِمَ لا نُغيِّر ونطوِّر في نمطها ونوعية الأشياء المعروضة ونجعل منها عادة مطورة تناسب جميع الفئات في المجتمع؟ لنحافظ عليها من الانقراض، وفي الوقت ذاته نجعل منها مناسبة معاصرة خاصة بمجتمعنا.

كنت أتحدث هذا الأسبوع في هذا الأمر مع أحد كبار السن، وقال لي لم تعد هناك مساحة للهبطة وإنه يخشى من أن تختفي.. لِمَ تنتهي مظاهر حياتنا شيئًا فشيء، بحجة التطور والعصرنة التي تقودنا ولا نعلم نهايتها، نعم أنا كبير وأحن لحياتنا البسيطة في السابق، ولكنني لا أرفض التقدُّم والتطور، ولكن لا أحب أن أرى كل ما عهدناه من نمط حياتنا، والتي يمثل حضارتنا الثقافية؛ لأنه لم يحسب لها حساب رغم أننا دولة تهتم بالتراث. وعُمان دون المجتمعات تعرف بهبطاتها الكبيرة في الرستاق وعبري ونزوى وصحم والخابورة...وغيرها.

نعم، هذا الذي يحصل، وفي بعض الولايات نقلت الهبطة ووضعت في مكان غير مناسب مثل هبطة ولاية السيب التي تقام جنب أحياء سكنية حديثة، كان يُمكن أن يخصص لها مكان أوسع يتناسب مع هذه الولاية الكبيرة التي يؤمها السكان المستقرون في مسقط من عُمانيين ووافدين، فكيف سيكون مصير هذه الهبطات إن لم تُخصص لها أراضٍ، وتهيَّئ للناس أماكن لمواقف السيارات، ومقاهي وأماكن للجلوس، ودورات مياه، وتكون مثلها مثل الأراضي المخصصة للمنافع العامة، وبعيدا عن قضية المساحة لابد أن تبرز وسائل الإعلام هذا الحدث من كل الأماكن، وتم عمل تغطيات لما يجري فيها من أجل إبرازها كخصوصية اقتصادية تراثية عُمانية لأن ذلك يمثل أفضل حماية لمثل هذا التراث حتى لا يتوارى كما تتوارى كثير من التفاصيل التراثية.

ورغم عدم وجود ما أحتاج وأسرتي إليه في الهبطة، إلا أننا نحرص على أخذ أبنائنا كل عيد، لنشعرهم بتظاهرة عهدها أجدادنا، وجزء من حضارتنا، ويشعر الأطفال أن عيدنا ومناسباتنا ترتبط بمظاهر جميلة، تجعلنا نعيش عدة أيام في أجواء من الفرح والبهجة، ولكنني أشعر بداخلي بأسى لا أستطيع أن أفصح به لأبنائي، وأنا أرى زحمة الناس في أماكن غير ملائمة، وعدم توافر ما يلزم من خدمات، ومساحات.

علاوة على ما تقدم يمكن أن تكون هذه الهبطات وسيلة للترويج السياحي، ويمكن أن تكون جزءًا من البرنامج الذي تعده الشركات السياحية للسائحين الذي تتزامن زيارتهم مع أوقات هذه الهبطات، ويمكن أن تخصص مسابقات للمصورين والرسامين لتقديم أعمال إبداعية تبرز مجريات الهبطة أو التفاعل الاجتماعي خلالها أو الوجوه التي تقصدها، وهناك مئات الأفكار والمشاريع لتطويرها في الهبطة، فنادئي لكل مسؤول له يد في الموضوع، أن أغيثوا هبطات الولايات من الانقراض، أغيثوا تراثنا الذي يمثل حضارة شعبنا العريق.