د. سيف المعمري
ونحن على أبواب عامٍ دراسيٍّ جديدٍ، نجد أنفسنا أمام مشهد تعليمي يثير الهواجس والقلق على مُختلف المستويات، وهي هواجس ما كانت لتنمو لو لم توجد البيئة المواتية لها، ولم تجد سياسة الصمت في مواجهتها، كانت الأسر في السابق لا تشعر بكل هذه الحيرة، لكن كل شيء طاله التغيير، العالم من حولنا، الحاضر الذي نعيشه، التوقعات من عملية التعلم والتنافس الذي يواجه الطلاب في الالتحاق بالتعليم العالي وسوق العمل، والتكنولوجيا المتطورة بالسرعة التي تتطلب مهارات مرنة ومتحولة في علاج الإشكاليات والقضايا والصراع الذي يعيشه الفرد، وكفاءة التعلم وجودته، تتزايد الكلفة وتقل الجودة.
ولأنَّ الهواجس متعددة، أودُّ أن أركز في هذا المقال على واقع المدارس العالمية التي ترسخ وجودها في العاصمة مسقط حتى أصبحت تبدو كالقلاع الحصينة التي لا أحد يستطيع أن يقتحمها من مُشرفي المؤسسة المعنية لفتح ما يدور بداخلها من واقع لا يمكن أن يحدث إلا في بيئة متسامحة أكثر مما ينبغي في شأن ليس استهلاكيًّا، ولكن في شأن تعليمي، فيه كثير من النقاط التي لابد أن تراقَب ويُشرَّع لها حتى تحمى استثمارات الآلاف من الأسر التي اختارت أن تخصِّص دخولها لتقديم تعليم أفضل لأبنائها، ولكن الحرية المطلقة التي تتمتع بها هذه المدارس تهدد هذه الاستثمارات. لذا؛ سوف أعرض بعضًا من هذه المهدِّدات لا كمراقب عن بعد، ولكن كوني طرفا من هذه الأطراف المجني عليها التي تتطلع إلى الجهة المعنية أن تصحو من سباتها إن كانت نائمة، أو أن تبدي اهتماما إن كانت غير مكترثة، أو أن لا تخضع لضغط المدارس ووكلائها ونفوذهم في التأثير على متخذ القرار.
لقد قُمت بعمل استطلاع على حسابي بـ"تويتر" حول درجة رضا الأسر التي لديها أبناء في المدارس العالمية، وكشف الاستطلاع عن درجة متدنية من الرضا. ومثل هذا الاستطلاع البسيط يعطي مؤشرا على الإشكاليات المتعددة التي لا تتناسب مع توقعاتهم. ومن النقاط التي أود طرحها وآمل تعزيزها بملاحظات أولياء الأمور في هذه المدارس ما يلي:
- المبالغة في الرسوم الدراسية من سنة لأخرى، والتي يفترض أن تكون خاضعة لنسبة زيادة مُقنَّنة، تتناسب مع النسب الأخرى المسموح بها للزيادة في قطاعات أخرى، وهو ما تقوم الوزارة المعنية باعتماده وتحدد له نسبًا يقال إنه يتم تجاوزها باستثناء من صاحب القرار الأخير، وهو ما يتطلب تقديم الحقائق والتوضيح والأدلة حتى لا تسيطر حالة عدم الموضوعية على الأمر، وتمتد المبالغة في بعض المدارس إلى رسوم الكتب والزي المدرسي وبرمجة أجهزة التاب سنويًّا، وأسعار المواد الغذائية في كافتريا المدرسة وعدم صحية بعض الأنواع التي تعرض للطلاب في هذه المكان.
- ارتفاع الكثافة الطلابية في الفصول الدراسية، ولقد وجدت في المدرسة التي يوجد فيها أبنائي أنَّ مُعظم الفصول تصل إلى 36 طالبا، وهو عدد كبير جدًّا لا يتناسب مع فلسفة عمل هذه المدارس عبر العالم، وهي "رسوم أعلى طلاب أقل"، من أجل توجيه مزيد من العناية لهم، وزيادة فرصهم في التحصيل الدراسي والأنشطة ومعالجة أي نقاط ضعف بيُسر وسلاسة، فكيف يترك هذا الأمر دون ضبط وقواعد تحمي حقوق الطلاب وأسرهم، كيف تكون المدرسة عالمية ذات منهج متطور وفي النهاية تتجاوز الأسس التربوية التي تؤكد العلاقة الإيجابية بين قلة الكثافة الطلابية والتحصيل!! أليس هذا النهج في زيادة الكثافة الطلابية هو نزعة للاتجار غير المعقول؟!
- نوعية المدرسين على اعتبار أن هذه المدارس تطبق مناهج عالمية تدرس باللغة الإنجليزية، ولكن بعض المدارس بدأت تتراجع في توفير مدرسين على كفاءة من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، وفيما عدا مدرِّسي اللغة الإنجليزية، فإنَّ بقية المواد يتم تدريسها من قبل مدرسين قد لا تكون لديهم خبرة في تدريس مثل هذه المناهج، وقد وجدنا إهمالا من بعضهم في متابعة أعمال الطلاب وتصويبها بشكل دقيق، وهو أمر يثير أسئلة عدة حول كفاءة المعلمين ومؤهلاتهم التي تؤهلهم للعمل في مدارس عالمية بهذه الرسوم، ويتطلب الأمر وضوحا مع أولياء الأمور إمَّا من قبل المدارس أو من قبل الجهة الرقابية التي يفترض أن تصدر دليلا إلكترونيا حول جنسيات المعلمين ومؤهلاتهم يُمكن لأولياء الأمور الاطلاع عليه، ويتم تجديده سنويًّا كجزء من المحافظة على حقوق الطلاب وأسرهم.
- إهمال المواد المقرَّرة على الطلاب العُمانيين من قبل الجهة التربوية المعنية سواء من حيث تخصُّص المعلمين الذين يدرسونها أو من حيث مصادرة الوقت المخصص لدراستها، والذي يكون عادة في الاستراحة؛ مما يعني عدم الثبات على وقت محدد لها في الجدول الدراسي، وهذه مواد تعدُّ أساسية وليست ثانوية حسب القواعد المقررة، فما الذي يجعل هذه المدارس تقوم بمثل هذه الممارسات؟ ألا يعطي ذلك مؤشرًا على عدم مصداقية لدى الإدارة، والخشية أن تمتد عدم المصداقية إلى جوانب أخرى في العملية التعليمية؟
- تجاهُل دور ولي الأمر عن إحداث التغيير في جوانب تؤثر على تعليم أبنائه حين يجد تلك الإشكاليات، فلا يوجد مجلس لأولياء أمور الطلاب، أو مجلس أمناء يكونون مُمثلين فيه للدفاع عن مصالحهم وأبنائهم، والاطلاع على سياسات المدرسة والقرارات التي تتخذها بشأن الرسوم والمناهج والكثافة الصفية ومؤهلات المعلمين والأنشطة والمرافق المدرسية وإتاحتها للطلاب خلال العام الدراسي؛ فكيف يمكن أن تضع هذه الإدارات حسابا لزبائنها وهم لا صَوْت لهم، وأقصى ما يستطيعون فعله حين يواجهون هذه الإشكاليات هو سحب أبنائهم من هذه المدرسة ونقلهم إلى تلك، ويصبحون بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأنَّ الجميع يعمل وفق نفس المعطيات في نفس البيئة غير المنضبطة، وقد حكى لي أحد الآباء أنَّه حين ناقشنا قضية من هذه القضايا مرة، لمح له بترك المدرسة إن كانت لا تعجبه والذهاب إلى مدرسة أخرى بدلا من أن يقود ما طرحه إلى الاهتمام والتغيير والحرص على الجودة والمصداقية.
هذه بعض من النقاط التي باتت واضحة للعيان في عمل المدارس العالمية، التي تتمركز بقوة في العاصمة مسقط، نطرحها مع بداية العام الدراسي؛ لأنَّنا نحسب أنها تعمل وفق تشريعات وقوانين وإشراف، لا تعمل بحرية تجعلها تغلب النواحي الربحية على الجودة التي ينشدها أولياء الأمور.هي تستثمر وهم يستثمرون ولابد أن لا تمارس معهم نفس الدور الذي تمارسه مؤسسات تجارية أخرى. ونأمل أن تُشدد الرقابة والمحاسبة، وأن يُؤسَّس مجلس مشترك يضمُّ أعضاء من الجهة المعنية بالرقابة وبعض أولياء الأمور من أجل متابعة هذه المدارس التي يذهب إليها اليوم المئات من الطلاب من مختلف الجنسيات، وهي تمثل قطاعا حيويا له حقوقه وعليه أيضا التزاماته وتعهداته التي لابد أن يعطيها الأهمية.