انتخابات 2018.. الرقم الصعب في معادلة العمل السياسي البحرينية (1-3)

 

عبيدلي العبيدلي

 نقتربُ من شهر سبتمبر 2017، وهو تاريخٌ مهمٌّ في تقويم العمل السياسي البحريني وعلامة فارقة في البرامج السياسية لمختلف اللاعبين في ساحة النضال السياسي بأساليبه الشرعية التي يقننها الدستور وتنظمها القوانين المعمول بها في المملكة؛ كونه يفصل بعام واحد بين نهاية الفصل التشريعي الحالي، والتهيؤ للذهاب إلى صناديق اقتراع انتخابات 2018 النيابية.

ليس هناك من يختلف على أهمية الانتخابات المقبلة، ليس بفضل الأزمة الخليجية الطارئة فحسب، وإنما لكونها تأتي في ظل ظروف محلية مختلفة نوعا وكما عن سائر الظروف التي عرفتها الانتخابات التشريعية السابقة بفضل العوامل التالية:

1- توتر العلاقة بشكل علني ملموس بين مؤسسات الدولة التنفيذية والعديد من الجمعيات السياسية النشطة، بما فيها تلك التي كانت تصنف -إلى فترة قريبة- على أنها من الفئة الموالية، أو "المدجنة"، كما يحلو للبعض أن يضيفها إلى مفردات قاموسه السياسي. الأمر الذي من شأنه أن يحدث فراغا في بعض شوارع العمل السياسي النشطة عندما يتعلق الأمر بالانتخابات.

2- الغياب الرسمي لأحد اللاعبين السياسيين المهمين في ساحة العمل السياسي البحريني وهو "جمعية الوفاق"، بعد أن تمَّ حلها بموجب حكم صدر بحقها قبل ما يزيد على العامين؛ الأمر الذي يحول بينها وبين حقها في المشاركة الرسمية، هذا في حال رغبة أعضائها في المشاركة، بل وحتى عدم المشاركة.

3- الوضع غير المحسوم لمستقبل جمعية "وعد" التي لا تزال في انتظار حكم المحكمة الذي تعددت مرات تأجيله. والذي يضع الجمعية أمام مفترق طريق صعب ومعقد في الحالتين: عند حل الجمعية، او السماح لها بممارسة أنشطتها، حيث ستجد نفسها، خاصة في حال عدم الحل أمام خيارات صعبة، خاصة في حال استمرار حالة جمعية "الوفاق" على النحو الذي هي عليه اليوم.

4- الأزمة الخليجية الطارئة التي لا يزال أوان حلها في علم الغيب، ويصعب التنبؤ بالنهايات التي ستؤول إليها، والتي من الطبيعي أن تترك ظلالها على مجريات العمل السياسي الخليجي خلال السنوات القليلة المقبلة، بما في ذلك الساحة البحرينية.

لكن بعيدا عن كلِّ هذه العوامل، يبقى هناك عامل ثابت واحد في معادلة العمل السياسي البحرينية وهو أن الانتخابات قادمة، وليس هناك ما يلوح في الأفق باحتمال تأجيلها أو إلغائها، ومن ثم فمكونات العمل السياسي، وخاصة الرئيسة منها، مطالبة، إن هي أرادت أن تكون جزءا من الحلول المطروحة أن تدلي بدلوها فيها.

ولتضييع الفرصة على من يريد أن يصطاد في الماء العكر، فيبادر بخلفيات ليس هنا مجال الكشف عنها؛ فيعتبر أن في مثل هذه المعالجة غير المبكرة لمسألة انتخابات 2018 ما يشبه الإعلان المبطن الذي يدعو للمشاركة فيها، وعدم المقاطعة، سيتم معالجة السيناريوهين ونتائجهما: المشاركة والمقاطعة على قدم المساواة، وبموضوعية كاملة، ودون التحيز لأي منهما. بل سأستهل الحديث بتناول خيار المقاطعة، كي أضيع الفرصة على من سيسل سيفه لواد مثل هذه المداخل الموضوعية.

سيجد من سيلجأ إلى خيار المقاطعة، نفسه أمام سؤال واحد فقط ليس هناك سواه: ما هو البديل السياسي الشرعي الذي يسمح بممارسة العمل السياسي وفقا لقوانين الدستور وأنظمته المعمول بها في البحرين. فلا الظروف القائمة، ولا العوامل المحيطة بها تسمح بما هو خلاف ذلك. وعليه ففريق المقاطعة مطالب قبل سواه أن يعد نفسه، وعلى المستويات كافة: السياسية والتنظيمية والفكرية كي لا يخسر أعضائه قبل جماهيره. هذا الإعداد ينطلق أنه من الخطأ الوقوف عند مجرد الشعارات العامة التي تدعو للمقاطعة، والاكتفاء بتمجيد من يوافق عليها، ويدين من يعارضها، بل لا بد له من التحول إلى برنامج عمل متكامل يتضمن العناصر التالية:

أ- على المستوى الفكري والعقائدي؛ عليه أن يشحذ قناة خلفيته الأيديولوجية ويخرج ما في جعبته من أسلحة نظرية تفسر سبب المقاطعة، وتعطي التبريرات التي بوسعها أن تدحض دعوات المشاركة على أرضية صلبة ومن منطلقات راسخة. إذ لا يكفي فقط، وكما قد يتوهم البعض، الوقوف عند محطة توزيع الاتهامات على الآخرين وتكفيرهم سياسي، وتطهير الذات بفضل الدعوة للمقاطعة.

ب- على المستوى السياسي؛ لا بد من وجود برنامج سياسي متكامل يخاطب مكونات العمل السياسي البحريني بكل فئاته المنظمة وغير المنظمة، بما فيها الفرد، خاصة ممن يحق لهم التصويت، كي لا يخنق من يدعو المقاطعة نفسه في دائرة ضيقة يطوق محيطها عنقه السياسي، ويهدد بخنقه. فمجرد الدعوة للمقاطعة لا تكفي لبروز تيار مؤثر يحقق النتائج المرجوة منها، ولا الأهداف التي تقف وراءها. وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية في غاية الأهمية، وهي أن من سيدعو للمقاطعة، ويطالب بحقه في التعبير عن نفسه بشأنها، لا ينبغي أن يحظر على الآخرين حقهم في الترويج لمبدأ المشاركة، ويرجمهم بأقذع التهم السياسية، ويوسمهم بأسوأ النعوت الأخلاقية.

ج- على المستوى التنظيمي؛ وهذا هو الأكثر أهمية وأشد تعقيدا، فمن الضرورة بمكان أن يضع من سيدعو للمقاطعة صمامات الأمان التي تضمن تماسكه التنظيمي، ليس في صفوف جمعيته وحجها فحسب، وإنما في نطاق التحالفات التي نسجها مع قوى سياسية أخرى، ربما تدفعها ظروفها إلى المشاركة. فرص الصفوف والالتفاف وراء مشروع واحد أمر في غاية الأهمية لمن يريد لمشروعه السياسي أن يحقق النجاح الذي يطمح له.

هذه المستويات الثلاث متكاملة، ومعالجة واحد منها وإهمال الآخرين، من شأنه إعاقة حركة القوى التي تدعو للمقاطعة، ويسهل عملية تهميشها جماهيريا وعزلها سياسيا. وعليه ستجد القوى السياسية المطالبة بالمقاطعة أنها مطالبة بجهود مكثفة، إن هي أرادت لمشروع المقاطعة ان ينجح، لأنها، وفي مراحل معينة ستكتشف أنها تجدف في اتجاه معاكس للتيار، وفي أحيان أخرى انها تمر بمنعرجات حادة، تحد من حرية حركتها، وتعيق وسائل أنشطتها.