ما أسباب انخفاض عدد السياح من خارج السلطنة؟

عبدالله العليَّان

النقاشات والحوارات التي دارتْ وتدُور حول انخفاض عدد السياح هذا العام بمحافظة ظفار، بحسب المؤشرات الأولية، تحتاج مُناقشة جادة مع أنَّ الموسمَ السياحي لم ينته بعد كما هو معروف، لكنَّ المعلومات التي صدرت قبل عِدَّة أيام، والتي عادةً ما تصدُر من بعض جهات الاختصاص المعنية بمتابعة ورصد دخول الزوار للسياحة للمحافظة، أشارت إلى قلة عدد الزوار من دول مجلس التعاون، ومن الدول الأخرى. وقال البعضُ ربما تكون الأزمة الراهنة بالمنطقة أحد أسباب التراجع، لكنَّ التوقعات لا تشير إلى ذلك، كون الظروف طبيعية وهي ليست دافعة لذلك، وربما عوامل أخرى أسهمت في انخفاض عدد الزوار والسياح للمحافظة هذا العام. لكنَّ الذي عزَّز هذا العدد من الزوار هذا العام، هم من مُحافظات السلطنة المختلفة، وهذا مُتوقَّع ومعروف سنويًّا، واللافت أن الانخفاض كان من خارج السلطنة فقط.

وهنا، تبرُز أهمية دراسة الأسباب الموضوعية، والنظر إلى أسبابها، ووضع الحلول لذلك، فهل الأسباب قلة الوسائل الترفيهية الجاذبة، التي أسهمت في هذا الانخفاض؟ وما هي الوسائل الجاذبة التي من المهم وضعها في الدراسة؟ وهذه تحتاج جهودًا مشتركة من وزارة السياحة ومن غيرها من جهات ذات اختصاص، خاصة جهات التخطيط. ولا شكَّ أن غياب الكثير من الوسائل الترفيهية، هو أكثر ما تم الحديث عنه في وسائل الإعلام المختلفة. سبق وأن تحدثنا وتحدث غيرنا أيضا عن ضرورة الاهتمام بهذا الجانب المهم، في مناسبات سابقة، وهي أن وسائل الجذب السياحي بالمحافظة، وفي غيرها من محافظات بلادنا، تحتاج إلى دفعة قوية من الاهتمام والمراجعة الجدية لما هو قائم ومستمر، من حيث عدم اتخاذ ما من شأنه استثمار ما تملكه السلطنة من رصيد كبير من المقومات التي تتمتع بها، لجعلها واحدة من الدول الأكثر بروزاً في السياحة على مستوى الوطن العربي عموماً، وفي كل الفصول؛ سواء في السياحة العائلية، أو سياحة المجموعات في فصل الشتاء من أوروبا، أو في سياحة الآثار التي تزخر بها الأرض العُمانية، أو في سياحة الرياضة في الصحراء، وما يُعزِّز هذا الجانب ويدعمه هو الاستقرار والسمعة الطيبة لهذا البلد وأهله، لكننا ماذا فعلنا لهذا الأمر المهم الذي يعزز الموارد في بلدنا، ويسهم بصورة كبيرة في توظيف عشرات الألوف من أبنائنا، لو أننا اتخذنا ما من شأنه استثمار الفرص المتاحة؟ فلم نتحرك بالقدر الذي يناسب ما عندنا من معطيات كبيرة وواسعة، نعم تأخرنا كثيرا عن الاستثمار الأمثل في العقود الثلاثة الماضية واستفاد منه غيرنا في المنطقة نفسها، ومن العدل أن لا نلوم وزارة السياحة وحدها فيما تأخرنا فيه من إقامة مشاريع للجذب السياحي، فهي حديثة التأسيس كما نعرف، لكن هذا منوط بجهات التخطيط، وقد كانت هناك جهات ومؤسسات مسؤولة عن التخطيط منذ السبعينيات من القرن الماضي، وكان من المفترض أن نضع البرامج والخطط لاستغلال ما تزخر به أرضنا وفق خطط معدة ومدروسة ولو بالتدريج منذ فترة طويلة، وفي كل منطقة تحتاج إلى مشاريع سياحية تتناسب وما تملكه من مقومات، لتكون محط اهتمام الزائرين والسياح من كل دول العام، ونستفيد مما هو قائم في الكثير من دول العالم التي أسست لنفسها موقعًا بارزًا للسياحة، ونستعين بالخبرات في هذا الشأن ممن سبقونا، لكننا للأسف بقينا نعمل على بعض المشاريع التي لم تكن بذلك الحجم الذي تضع بلادنا على الخارطة العالمية للسياحة.

والنقاش الذي جَرَى من خلال الصحافة المكتوبة، ومن وسائل التواصل الاجتماعي عن الحاجة لمشاريع سياحية في محافظة ظفار في الكثير من المناطق التي يتم زيارتها حديث مشروع ومهم، وفي الصميم، وربما عدم وجود وسائل جذب لهذه الأماكن، جعل الكثيرين من السياح من خارج السلطنة، يعزفون عن تكرار الزيارة مرة أخرى، وربما تزداد أيضا في الأعوام المقبلة، وتكون أحد أبرز الأسباب في تراجع السياح هذا العام. فعلى سبيل المثال: هناك مقترح -كما علمت- قُدِّم لاستثمار سهل إيتين بصلالة في مساحات كبيرة منه، لإقامة مشروع سياحي جاذب للزوار ليكون منتجعاً مفتوحاً به الكثير من الوسائل الترفيهية من ألعاب ومقاهٍ ومطاعم...وغيرها، وتخصيص أماكن معينة للعائلات، لكنه لم يجد الاهتمام الكافي، وقد أطلعني صاحب المقترح على ما وضعه لاستثمار السهل، وهو أحد الخبراء بإحدى الجهات الحكومية بالمحافظة.

وهذا المقترح مضى عليه عدة سنوات، فالمهم أن الأفكار والرؤى كثيرة، قد يقول قائل إنَّ الظروف المالية الآن ليست مُواتية بقدر الذي تقام فيها مشاريع سياحية كبيرة للجذب السياحي، لكن هذا القول جوابه سهل وميسَّر، فقد يتم الاتفاق مع شركات سياحية متخصصة، تقيم هذه المشاريع وفق مخطط مدروس، والدولة لا تدفع شيئاً لإقامة هذه المشاريع؛ فالشركة نفسها، وهي معنية بالمشاريع السياحية، تقيم المشروع وتديره بنفسها بعد ذلك، أو من تختاره هي، بموجب العقد مع وزارة السياحة، ومن خلال العائد، يتم تسوية كل مبالغ المشروع، وهذا في حد ذاته، لا يُحمِّل الدولة أو الوزارة أية أعباء مالية لهذه المشاريع السياحية، أيضا سهل حمرير، وهو من السهول الجميلة في صلالة، أيضا لم يتم استثمار هذه المساحة من السهول الممتدة منذ عدة عقود. ومن المهم أن يتم إقامة منتجع أيضًا أو عدة منتجعات في هذه المساحة الممتدة، ليكون مكاناً لقضاء أوقات ممتعة للزوار والمقيمين، وإقامة هذه الوسائل الترفيهية الجاذبة، وهذا ليس لفصل الخريف فقط، بل أيضا ليكون وسيلة جذب طوال العام وفي كل الفصول، ومن الضروري التفكير في هذا الأمر بجدية، فالتأخير ليس جيداً؛ فالكثير من المساحات تشغل إما بالمساكن أو لبعض المشروعات الأخرى ، وأصبحت الكثير من المساحات تشغل مع مرور الوقت دون أن ننتبه لذلك، مع ضرورة إبقاء بعض المساحات للمراعي كما هو متبع منذ القِدَم، المهم أن الحاجة لإقامة مشاريع سياحية أصبحت حاجة ملحة، ودول العالم تتحرك وتتسابق للجذب السياحي، ودول كثيرة ظهرت مؤخرا بقوة كمكان للسياحة الموسمية ومن خلال وسائل كثيرة ونجحت في ذلك، وهذا ما نؤد الإسراع في استغلاله دون تأخير.. رسالة لمن يهمه الأمر.