همسات لخريف ظفار

 

د. أحمد المعشني

للخريف همسات ولمسات، فهو ليس ضبابًا يحجب القمم الخضراء عن الأنظار، وإنما هو لحظات تؤرخ، وذكريات تُكتب في جميع الحواس. تجري في الخاطر وتسري في أدق العروق.

في الخريف تفيض عيون المياه شلالًا، وتنفجر المشاعر زلالًا، وينبت الحب سبع سنابل. فهو موسم الخصب والنماء وتلاقح الأزهار والأفكار في تربة الوطن. فأهلًا بموسم العطاء.

في هذا الموسم السعيد يهيج البحر وتثور الرياح، فيخرج الودق من خلاله فتحيا به الأرض الميتة، وتلبس الجبال والوهاد الحُلل الزاهية، لتصبح ظفار عروس الجزيرة وأميرة العرب ومملكة العالم. فتلك هي ظفار، الموطن الذي أنجب الحكمة وأرضع الثقافة وأنبت الحضارة في عهد السلام. وها هي دربات مُحتضنة ميلاد كريمة العرب ومربى أم عمان السيدة الجليلة.

دربات الطبيعة والجمال، فيها يُداهمني المساء دون أن أشعر بلونه الذهبي المرتسم على قمم الفروش وهامات الجبال. ودون أن أنتبه لقطرات الرذاذ التي تُلطِّف المقل من إرهاق السهر وعناء السفر؛ لأنني أحس بأن كل شيء حولي يهتز في داخله ويترنَّم بصمتٍ، حتى القلم لحَّ يُناجيني، فمددت يدي وهي تقطر بالندى والطل ورحيق الضباب، والرذاذ على رمشي يتساقط نحو الأسطر فيبلل الورق، وأخذت القلم وهو يجمح هربًا من المشقة ويفلت من بين الأصابع وهو يبكي وينتحب المداد. ولا أدري في هذه اللحظة أأنا في حلمٍ أم في علمٍ!.

وفجأة طارت فكرتي من لُبِّي وكدت أدفع ثمن ما كتبت من الجهد. نسيت نفسي ومكاني وكياني، فكنت غارقًا في الخيال وتمكَّنت من عبور تلك الأحلام بصوغ عبارات الجمل والكلمات والسطور التي خطَّها قلمي عن تلك الطبيعة الساحرة في وادي دربات وشلالها ومزارعها وتاريخها وحضارتها.

والدنيا تضحك وتبتسم وتهدل، ولسان حالها يقول:

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

أهلًا بالنعائمِ..

أهلًا بالغمائم.. هلّلّ هلّلّ للديحِ

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

أهلًا بنبض النسائم حولًا والعام صائم واليوم الخاطر فريح

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

أهلًا بالعجائب.. أهلًا بالجداول.. شلالًا من شاهق يطيح

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

أهلًا بالسحائب على متن الرحائب غمائم في البيد الفسيح

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

أهلًا بالسحب المطيرة على الروابي الخضيرة تطل من هام ريف

أهلًا أهلًا أهلًا بالخريفِ

بشرى بالريح تترى تهدر شعرًا ونثرًا تشفي سقم الجريح

هذه بلادي في فصل الخريف... هذه بلادي في فصل الخريف

طيبة كرم،، غيمة قيم،، عبق شذا من لبانه يفيح

"حقًّا" طبيعة منظرها يُثير الإعجاب

فسبحان من حبب الأوطان إلى القلوب

وألهم الإنسان شرف الخيال.

تعليق عبر الفيس بوك