هروب العمالة الوافدة

طالب المقبالي

هروب العمالة الوافدة هاجسٌ يُؤرِّق كلَّ مُواطن يعيش على هذه الأرض الطيبة، وقد أصبحت الظاهرة متفشية ولم تستطع الجهات المعنية أن تضع حدًّا لها حتى الآن؛ حيث تتنوع حالات الهروب وأساليبها؛ فمنها من هروب العامل من مقر عمله لدى الكفيل، ومنها هروب من أرض المطار قبل أن تتكحل عين الكفيل برؤية مكفوله أو مكفولته؛ وذلك بتواطؤ من قبل الوسيط الذي جلب العامل أو العاملة، والتي يقوم الوسيط بأخذها من المطار فور وصولها وتهريبها إلى جهة هو يعلمها، فيما يعطي الكفيل موعدا مغايرا لموعد وصول العامل أو العاملة، ويكون عقب وصول مكفوله بأكثر من ساعة، فيحبك اللعبة، ويحضر مع الكفيل إلى المطار، فينتظران معاً وصول العامل أو العاملة، وعندما يسألان الاستعلامات في المطار يبلغونهم بأن العامل أو العاملة قد وصل/ت قبل ساعة، وكأنَّ الطائرة قد أتت قبل موعدها.

وفي الحقيقة، الطائرة وصلت في موعدها، لكنَّ الخطة هكذا خُطِّط لها من أجل الهروب، وهنا تبدأ رحلة البحث عن العامل أو العاملة، فيما يظهر الوسيط البراءة والندم والحسرة والتساؤل: أين ذهب العامل أو العاملة؟! ويبدي خوفه عليه بأنه غريب لا يعرف شيئاً عن البلاد، وهنا يبدأ مسلسل الإجراءات والغرامات التي يتحملها الكفيل المغلوب على أمره.

وسوف أفرد مقالاً خاصاً عن عاملات المنازل كموضوع يحتاج أكثر من مقال، فهناك عاملات تهرب من خلال لقاء المهرب مع مجمعات القمامة، ومنها بواسطة الوسيط من أبناء بلد العاملة، ومنها بتواطؤ بعض مكاتب الوساطة على الهروب.

وهنا لا أرمي التهم جُزافا، وإنما سمعتُ قصصاً من الأشخاص الذين يأتونني للإعلان عبر جريدة "الرُّؤية" عن هروب عمالهم أو عاملاتهم، لكنهم يرفضون الإفصاح عن هذه المكاتب عندما أُخبرهم أنني أنوي كتابة مقال عن هذا الموضوع وأحتاج إلى أدلة منكم.

ومن وجهة نظري، هناك عوامل عدة أدَّت إلى هروب هذه العمالة.

العاملُ الأول: هو ما ذكرته سلفاً من تواطؤ الوسيط الذي استقدم العامل أو العاملة عن طريقه؛ سواءً عاملا من نفس الجنسية، أو مكتب استقدام العمالة الوافدة، وهذه حقيقة يجب التحري عنها فهي واقع.

العاملُ الثاني: سببه المواطن الكفيل، فهناك بعض أرباب العمل يجلبون العمال لا لحاجتهم للعمالة ولفتح مشاريع تجارية، وإنما لحاجتهم إلى إيجاد مصدر دخل يبدأ من بيع مأذونية استقدام العمالة، وانتهاء بتسريح العامل للعمل في أي مجال بغية الحصول على عائد شهري، وإن كان هذا العائد بضع ريالات، تتضاعف كلما تضاعف عدد العمال.

العاملُ الثالث: هو العامل نفسه؛ امتدادا لتسريحه من قبل الكفيل وتركه يعمل على هواه، وفي المهنة التي يراها مناسبة له، وبالتالي سوف يبحث عن العمل الذي يدر عليه دخلا أفضل ويعفيه من دفع الجزية للكفيل شهريًّا، فيلجأ إلى الهروب والعمل بعيداً عن الكفيل مما يكفل له الحصول على الدخل كاملا.

العاملُ الرابع: هو المجتمع الذي يقوم بتشغيل عمالة مجهولة الهوية بحثاً عن العمالة الرخيصة وإيوائها بشكل غير قانوني.

العاملُ الخامس: الجهات المختصة وهي من شقين؛ الأول: يخص البلدية؛ حيث تبدأ القصة من خلال قيام صاحب العمل باستئجار محل لمشروع ما في حارة بعيدة عن الحي التجاري من أجل غرض التفتيش من وزارة القوى العاملة؛ حيث المفترض قبل المصادقة على عقد الإيجار أن تقوم البلدية بزيارة المحل من أجل المعاينة وتقييمه من حيث صلاحية الموقع من عدمه لإقامة المشروع قبل المصادقة على العقد.

إلا أنَّ الواقع غير ذلك، وإن تمت الزيارة كزيارة شكلية لا أكثر، فهناك محلات تؤجر لغرض التفتيش لمدة ثلاثة أشهر تقل أو تزيد، ثم يلغى العقد رسميًّا. بعد ذلك، يأتي صاحب منشأة أخرى فيستأجر نفس المحل لغرض التفتيش أيضاً، وهكذا دواليك، فيؤجر المحل الواحد بين ثلاث مرات وأربع مرات في العام، ولا أشك في كياسة مفتش البلدية وغالباً ما يكون من أبناء الولاية في إدراكه بهذا التلاعب من أرباب العمل، وأعتقد جازماً أن التعاطف والمجاملة في الغالب هو السائد في هذا الموضوع.

أمَّا الشق الثاني، فهو خاص بوزارة القوى العاملة التي توفر الحماية للعامل الوافد الهارب عوضاً عن عقابه. فهي تقدم له مكافأة على طبق من ذهب، من خلال تكليف رب العمل بتوفير تذكرة سفر للعامل فور العثور عليه.

وهنا يسود تعارف بين العمال الهاربين أن يتواروا عن الأنظار، فيعملون في المنازل أو المزارع أو المطابخ بعيداً عن أعين فرق التفتيش، فمتى ما أراد العامل العودة إلى بلاده يخرج من مخبئه ويعرض نفسه لفرق التفتيش، وكأنها الصدفة التي قادته إلى ذلك، وهو يعلم أنَّ تذكرة سفره تنتظره.

فالعامل الوافد استوعب الدرس، وأصبح يتحاشى الظهور في مواقع العمل التي هرب إليها؛ لأنَّه يعرف أنَّ الشخص الذي استخدمه سوف يتعرض للغرامة؛ وبالتالي سيتحمل تسفيره، وهنا يكون الضحية هو الكفيل؛ كونه ضبط مُتسكعاً في الطرقات ولا يعمل عند أحد.

ومن هنا، أناشد وزارة القوى العاملة وضع ضوابط جديدة تتضمن عقوبات رادعة ضد العمالة الهاربة، وتحميلها أعباء سفرها، إضافة إلى دفع غرامات مالية كبيرة.

muqbali@hotmail.com