حمد بن سالم العلوي
لقد طغت بعض السلوكيّات الخاطئة على القيم والذوق العام العُماني، وهذا الطغيان لم يكتف بالملبس والمظهر الخارجي للناس، لأنّ المحرضات والمحفّزات عليه تزداد يوماً بعد يوم؛ ولأن تمييع جيل الشباب أصبح هدف أعداء الأمة العُمانية من القريب قبل البعيد، وذلك بهدف الفتّ في عضد الأمة، وخلخلة استقرار الوحدة العُمانية وتعاضدها وتماسكها، وإضعاف عقيدتها الوطنية، والنيل من شكيمة الرجال؛ لأنّ المترفين ونواعم الذوق، لا يقدرون على بناء وطن، وحتماً لن يقوى جيل هكذا على صدّ عدوان غادر، ولنا مثل حي على أولئك الذين خرجوا عام 2011م، زاعمين رغبتهم في العمل، فلما أخذوا للتجنيد، خرجت قلة منهم يرفضون قص شعرهم، أليس هذا مؤشراً خطراً على مستقبل الأمة ؟!!.
لقد قرأت في كتاب بعنوان "الدعاية والإعلام" للدكتور محمد عبدالقادر حاتم وزير الإرشاد القومي المصري الأسبق، قصة "أمركة" الشباب الياباني، بعد تسليم اليابان لأمريكا، فبرغم حصافة ورصانة التربية الخاصة لليابانيين، وذلك بغرس قيم الطاعة والولاء والإحترام في النشء، منذ نعومة أظفاره؛ إلا إنّ الأمريكي استطاع النيل من عقيدته بالتشكيك في قيمه ومعتقداته، وكذلك أخذ يُغريهم بترك ملابسهم الوطنية، والانتقال إلى الجينز، وأتبع ذلك بفتح أفرع للمطاعم الأمريكية، واستحداث المراقص على الطريقة الغربية، وألحقت تلك المراقص بالمطاعم الغازية للثقافة الوطنية، وكل ذلك يُعد من الأمور البسيطة، وغير المؤثرة كما كان يرى البعض، إلا أنّها استطاعت أن تغير في مزاج جيل الشباب بمرور الأيام، وتجعله ينبهر بالثقافة الأمريكية ويعمل على تقليدها، ويخرج على قيمه ومبادئه اليابانية العتيدة.
إنّ الثقافة الغربية بدأت الدخول إلى أسواقنا الحديثة بفظاظة وغلظة، فقد أصبح واضحاً هذا الغزو وضوحاً قوياً، فإنّه بمجرد الدخول إلى أي مجمع تجاري من المجمعات الحديثة، فإنك ترى نهج الفرنجة والغزو المنظم بتكتيك الدعاية والإعلان، بل يكفي أن تمر بجوار هذه المُجمّعات لترى ملصقات دعائية كبيرة لشخص ما - فلا أحد يستطيع أن يطلق عليه صفة رجل - فهو مزرَّي جسمه بوشم النقوش والزخارف، ويلبس الحليّ حاله حال الأنثى، وللأسف هناك بعض من جيل اليوم يستهويه تقليد هؤلاء الشواذ، لأنهم تركوا لينشئهم ويربيهم الزمن المترف، ولم ينشئهم أهلهم كما هم نشأوا من قبل.
أمّا إذا دخلت هذه المُجمّعات، فستظن أنّك دخلت مدينة "لاس فيغاس" الأمريكية، وإذا لم تكن قد اكتسبت حصانة ضد المقززات من المناظر المؤذية، فإنّه سيصيبك غثيان ولوعان يفطران القلب والنفس، ليس من الصور والمجسّمات الدعائية الخادشة للحياء والذوق العام، بل ستتقزز من منظر تلك القطعان البشرية، التي تجوب المجمّعات ذهاباً وايّاباً، وقد أصيبت بانحلال خلقي مخجل يضر بسمعة عُمان، فهذه الفئة التي ضلت الطريق القويم، أخذت تطبق ما رأته في الأفلام، أو في الصور الدعائية الموجودة في بلدنا عُمان، إذن هذا البلد التي كانت فيه المرأة ذات يوم، إذا رغبت تخرج للحطب من البراري، أو الجبال، أو هي سارحة وراء غنمها، تعتقت "بندقية الكند" على كتفها الأيسر، و "سُعن" الماء على كتفها الأيمن، فأترك عنك وصف حال الرجال في ذلك الزمن.
أننا كعُمانيين تأبى نفوسنا، أن ترى بعضاً من جيل الشباب، يُساق كالمواشي إلى الرذيلة، بهذا الاستخفاف والرخص من السلوكيات المُشينة، فإذا نظرت إلى الملبس تجد فيه فرنجة أكثر من الأفرنجي نفسه، وإذا نظرت إلى قصات شعر الرأس، ستراها كتشكيلات حدائق الزينة، وأزعم لو أنّ راعياً للغنم قص شعر غنمه، ستكون أجمل من قصات أولئك البشر، كما أنّ بعضهم أخذ يقلد سفهاء الغرب في لبس الحلي وحلقات الأذن، ليتَهُم والله يقلدون الجانب الإيجابي لدى الطرف الآخر من الغربيين في التصنيع والإنتاج، والإبداع والعمل الدؤوب والأمانة، والصبر وعدم الخديعة والكذب.
لقد آن الأوان لوضع ضوابط لسلوكيات الناس، لأنّ القيم والمبادئ كانت تكتسب تلقائياً من جلسات السبلة العُمانية، ونظراً لتغير نمط الحياة اليوم، فأصبح لا وقت لبرزة السبلة، فإذا فاتتنا الجلسة الحضورية الحسية، فعلينا أن لا نفرّط في قيم السبلة السلوكية والمعنوية، وأن يطلب من رب الأسرة بالذات القيام بواجبه تجاه أبنائه، وأن يضاف نهج السبلة العُمانية إلى مناهج وزارة التربية والتعليم، فيجب أن لا يهتم بالتعليم وحده دون التربية، وهي الأساس في الحياة، وإلا تفاجئنا بتخلخل قيم المجتمع، واندثار الأعراف والتقاليد، إذن لا نقول اليوم آن الأوان، وأنما نحكم أنّه فات الأوان، وعلينا تدارك ما أمكن تداركه، حتى لا نُعلن إفلاسنا من القيم وبعض من جيلنا الحالي مازال يتشبث بتلك القيم، فلا تتركوه يصاب بالوهن و العَيَا.
إنّ وزارة التراث والثقافة أو وزارة الداخلية، هما الجهتان الأجدر بتولي هذه المرجعية وسن القوانين الحافظة للقيم والمبادئ والأعراف والعادات، وأن يتولى تنفيذه وشرطة عُمان السلطانية. كما أنّ إلزام الناس بالتدريب العسكري، أصبح أمراً مهماً وضرورياً، لإنضاج انضباطهم وتعليمهم القيم الإنسانية والسلوكية، وحتماً ستتغير طبائعهم، وسيكون أداؤهم العملي أفضل وأكثر جدية، وسيرفع من مستوى الإنتاج، بالواقعية واحترام الوقت.. والله من وراء القصد.