أدباء ومثقفون: شبكات التواصل الاجتماعي أضعفت الحياة الثقافية وأسهمت في تراجع الإقبال على الفعاليات

 

≤ البريكية: الفعاليات الثقافية غائبة.. وإن وُجِدت تكون ضعيفة وحضورها ومتابعوها أضعف

≤ الربيعي: الفعاليات في الخليج عموما ذات طابع موسمي وتتناسب عكسيا مع درجات الحرارة

≤ الشيادي: الإعلام يمثل العَصَب الأساسي في رفع المستوى المعرفي للأفراد والمجتمعات

 

أَرْجَع عددٌ من الكُتَّاب والأدباء والمثقفين التراجعَ الكبيرَ في الفعاليات الثقافية، ودور المثقف، إلى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي والتقنيات التواصلية الأخرى؛ حيث استطاعتْ تلك التقنيات أنْ تَحْظَى باهتمام النسبة الغالبة في الحقل الثقافي، والتي كَانَ من أهمِّ آثارها السلبية امتصاص اهتمام وحيوية النشاط الثقافي بوجه عام؛ سواءً كان ذلك من خلال الاعتماد عليها كمنصات للتواصل الثقافي، أو من خلال استهلاكها الوقت والاهتمام والتركيز، وهو الذي جَعَل من الأجيال الحالية الخاسِر الأكبر من هذا التوجه، فيما ذَهَب البعض إلى أنَّ الأنشطة الثقافية في منطقة الخليج تعدُّ موسمية وتتناسب عكسيًّا مع درجات الحرارة، فكلما ارتفعتْ، تبخر الجمهور، وكثرت الكراسي الفارغة التي تحرج المنظمين.. مشيرين إلى أنَّ هنالك ثمَّة تراجُع في الفعاليات والأنشطة الثقافية، سيِّما تلك التي ترسخ مفاهيم العلوم المختلفة في الألباب، وتتَّسع رُقعة هذا التراجُع لتشكِّل خطرا ثقافيا على المجتمعات.

 

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

وتقُول سارة البريكية: منذ أمدٍ بعيد كانت الحياة الثقافية مُختلفة عمَّا نراه ونعيشه اليوم من حيث ما كانت تتضمَّنه من برامج وفعاليات ودورات وحضور وشغف وحب للتفاعل والتواجد الثقافي من كلِّ الأطياف والشرائح المثقفة عامة، وكان المشهد قبيل سنوات من الآن يعكسُ الصورة الحقيقية للثقافة عامة والمثقف خاصة في تجانس واحد، وقديما قيل إنَّ لكل زمان رجالا، وفي رأيي أن هذه المقولة صحيحة، إلا أنَّه ما كان ينبغي أن يحل هذا التراجع المخيف والمقلق في مستوى الحراك الثقافي أبدا بسبب غياب ووفاة أعمدة وقامات ثقافية كانت تُشعل الحياة الثقافية بمشاركاتها وعطائها.

وتابعت: اليوم، وعلى كل الأصعدة، غابت الفعاليات الثقافية، وإن وُجِدَت تكون ضعيفة وحضورها ومتابعوها أضعف. وفي تقديري يعود ذلك لتغيُّر وتيرة الحياة المتسارعة، وهو ما يَدْفع ثمنه المثقف المتعطش للمعرفة وللقراءة، وللاستفادة مما تُفرزه تلك التجمعات واللقاءات الأدبية. وأضافت: حينما ننظر اليوم إلى التراجع الكبير لتلك الفعاليات الثقافية لربما سنعزي سبب ذلك إلى أنَّ المثقف نفسه أيًّا كان توجهه وميوله وكتاباته، قد استغنى بوسائل التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، عن تلك الفعاليات، فلم يعد بحاجة للانتشار التقليدي وإيصال رسالته الثقافية، تلك المهمة تقوم بها الآن تلك الوسائل بضغطة زر، وأصبح الخاسر الأكبر أجيالنا القادمة التي من المفترض ألَّا تتوجه للعالم الافتراضي بقدر ما تتوجه إلى الواقع بكل تجلياته. وعليه؛ وحتى تزهر الحياة الثقافية، فإنَّ على المثقف دَوْرا كبيرًا لإعادة تدفق الدماء للأنشطة الثقافية المختلفة لتدب الحياة في أوصال الجسد، ونأمل من المؤسسات ذات العلاقة في هذا الجانب الاشتغال بقوةً على إحداث نهضة كبيرة متجددة يعود من خلالها للحياة الثقافية وهجها وتألقها.

 

طابع موسمي

ويقول عبدالرزاق الربيعي: المعروف عن الفعاليات الثقافية في منطقة الخليج عمومًا أنَّها ذات طابع موسمي، وتتناسب عكسيًّا مع درجات الحرارة، فكلما ارتفعت تبخر الجمهور وكثرت الكراسي الفارغة التي تحرج المنظمين، هذا الطبع الموسمي لم يصنع تراكما في الأنشطة والخبرات؛ لذا أثر كثيرا فيها، وقد باتت الظاهرة واضحة في السنتين الأخيرتين بسبب الأزمة الاقتصادية التي ألقت بثقلها على النشاط الثقافي والفني، فأوقفت المهرجانات، وقلَّ الدعم التي تلقاه المؤسسات الثقافية من القطاع العام والخاص.

وأضاف: إنَّ دور المثقف الحقيقي يبرز في مثل هذه الظروف؛ من حيث أن "النبتة العنيدة تطلع من بين الصخور"، كما يقول المثل الشائع، وعليه تقع مسؤولية كبيرة، تتمثل في مواصلة إقامة هذه الأنشطة بأقل التكاليف، وتحت أي ظرف من الظروف، فعجلة الثقافة يجب أن لا تتوقف، والمثقف الحقيقي المخلص لمشروعه، وثقافته، قادر على القيام بواجبه تجاه الثقافة، والمجتمع.

من جانبه، قال علي بن طالب بن زايد الشيادي: إنَّ الحركة الثقافية تُمثِّل ركيزة أساسية في بناء الإنسان في مُختلف المجتمعات، وتعمل بصورة أو بأخرى على تشكيل شخصيته، وتُسهم في توسيع مدارك النشء وتنوع معارفه الدينية والاجتماعية...وغيرها، كما تتجلى أهمية الحراك الثقافي من خلال الأثر الناجم عن ممارسة الأنشطة الثقافية المختلفة أو ما ينتج عن العزوف عنها. وبلا شك، فإنَّ إقامة الفعاليات الثقافية يخرج جيلا واعيا مثقفا، مما يُسهم في بناء الأوطان والمجتمعات، بل وبناء العقول المنتجة فكريًّا. وأضاف: تتمثل هذه الفعاليات في إحياء الأمسيات وإلقاء المحاضرات وتقديم الندوات وإقامة المسابقات وعرض المسرحيات...وغيرها من الأعمال التي تهدف لصنع الفرص لإيصال المعلومات الثقافية العامة.

واعتبر أنَّ أماكن تفعيل هذه الفعاليات كثيرة، والمنطلق الأول لها المساجد والمدارس والمجالس، كما أن الأندية والمسارح والصالونات الثقافية والقاعات العامة يفترض أن تقوم بدور كبير في تنشيط الحركة الثقافية في المجتمعات المحيطة بها، بل حتى الملاعب والمقاهي وأماكن الاجتماعات الشبابية قد تكون مكانا ملائما لوضع بصمة ثقافية في المجتمع، ومن المهم جدًّا الإشارة إلى الامور التي تُسهم في بث الوعي بأهمية هذه الفعاليات، وهنا يأتي دور الجانب الإعلامي بشتى صوره؛ فالإعلام يمثل العصب الأساسي في رفع المستوى المعرفي للأفراد والمجتمعات بكل ما يدور حولهم، كما أنَّ التجديد في الطرح والتطوير المنهجي والعمل المؤسسي، كلها أركان مهمة في استشعار أهمية هذه الفعاليات واستمراريتها، وبدون أدنى شك فهنالك أمور أخرى كثيرة تقوم مقام ناشر المعرفة وموضح الأهمية.

وأضاف الشيادي: يتجلى دور المثقف في إحداث نقلة للحالة الثقافية من الركود إلى الحراك المنشود لبناء جيل واع ومثقف، وذلك من خلال تقديم المبادرات وتنفيذ الأنشطة المتجددة بأساليب متطورة ومبتكرة، والوصول إلى مختلف شرائح المجتمع لبث الوعي الثقافي بين أفراده.

وذهب مطلوب السالمي معلم من وﻻية نزوى، إلى أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي وما وفرته من تواصل بين المُتصفحين أدت لاتساع المجال المُتداول بينهم، مما سهل الحصول على المعلومة بكافة أنواعها، وبات الجميع في يُسر من تحصيل المعرفة وبناء كينونة ثقافية متنوعة، وكذلك يستطيع من خلالها الوصول لمُبتغاه من التعزيز الثقافي الاجتماعي...وغيرها من المجالات بسرعة فائقة، وأضاف بأنَّ هذه التقنية أصبحت في متناول يد المُتصفح، لا تتطلب جهداً كالذي يراه ويلمسه في الفعاليات الثقافية، والتي غالباً ما تتسم بإيقاع أو روتين معين، لا يتواكب مع متطلبات الجيل الحالي في تكوين معرفة تتمتع بالتحديث والتجديد، واستخدام وسائل حديثة لإيصال الغاية. واستدرك السالمي: ربما تفتقر هذه الفعاليات للبرامج التي يحتاجها العامة من الناس، والتي تحتوي على مجالين أو ثلاثة، أو لربما كان أسلوب تقديم البرامج لا يختلف عن سابقه، دون إحداث تطوير أو ابتكار، ناهيك عن غياب الإبداع في هذه الفعاليات والتي تتخذ شكل التقليد؛ مما أفقدها رونقها وأهميتها، ودفع الناس إلى العزوف عن الحضور والمشاركة.

تعليق عبر الفيس بوك