مدرين المكتومية
خبر كالصاعقة وقع على المجتمع العماني عندما أقدم أخ بالاشتراك مع أبيه - في يوم عيد الفطر- على قتل أخيه الذي يعاني من مرض نفسي، وجاء في الخبر أنّهما قاما "بدهسه بمركبة تم شراؤها لارتكاب تلك الجريمة بأحد شوارع منطقة المعبيلة بولاية السيب وتركاه ينزف على قارعة الطريق وفرَّا هاربين"، مجرد قراءة هذه الكلمات تصيبك بالغثيان؛ فلا دين ولا رحمة ولا فطرة تجعل من الممكن تصور أن يُترك إنسان ينزف حتى الموت وكأنّ هناك إصرارا على التعذيب غير المتصوّر من بشر.
والمشكلة الحقيقية أننا عندما نبحث في عدد جرائم القتل التي حدثت خلال السنوات الأخيرة سنجد أن الأمر بدأ يتفاقم ويتزايد، ورغم أنّه قد لا يُذكر مقارنةً بجرائم أية دولة أخرى إلا أنّه غريب على مجتمع كالمجتمع العماني، الذي لم نكن نسمع عنه إلا كل الخير، فحادث سير عادي يمكن أن يوقف الشوارع لساعات فما بالنا بحادث قتل، ومع هذا التغير الذي حصل والجرائم المتعددة التي تتزايد بات علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة صراحة لنفكر في الأمر بجدية، ونسأل ما الذي أوصلنا كمجتمع إلى هذه الدرجة من السوء؟.
جريمة القتل بصفة خاصة لا يمكن أن تمر مرور الكرام ولا يجب أبدا أن نعتادها كما يحدث في بعض الدول التي لا يمر أسبوع دون جريمة بشعة تتناولها صفحات مخصصة للجرائم، في عمان هناك الكثير ممن يصعب عليهم أن يقتلوا حيوانا ضارا فكيف ببشر؟! ومن يقدم على قتل حيوان يوبخه الجميع الأمر الذي يجعله يشعر بالندم، وغالبا ما يجد من يقوم بتأنيبه على فعلته؛ ولكن الأمر اختلف الآن، فهناك الكثير من الجرائم التي ترتكب وصاحبها يعيش حياة طبيعية -حتى وإن كان يعيش في السجن- فقد يعيش دون شعور بالندم على ما ارتكبه، فسمعنا بجريمة قتل صحار؛ حين أقدم شباب على قتل خالهم، واليوم أخ يقتل أخاه بالاتفاق مع والده بسبب العبء الذي يخلفه لهم؛ كلها أمور غير منطقية، قاموا بفعلها دون منطق، فمهما كانت المشكلة لابد من وجود حلول، فهذه القضية التي راح ضحيّتها شاب بسبب مرضه النفسي ما هي إلا قضيّة تجعلنا نقف عند المشاكل التي يعيشها المجتمع والتي تبدأ من الجهل ولا تنتهي بالسجن حتى لو كان المؤبد.
حتى الآن لا زالت غير مستوعبة أن تكون هناك جرائم من هذا النوع، والمحيّر في الأمر أن يظل الشخص يعيش حياة طبيعية رغم اقترافه لذنب لا يُغتفر، هل كان الأمر بهذه السهولة..؟ هل يظن الشخص أنّ مثل هذه الأمور تجعله يعيش طبيعيا..؟ في حقيقة الأمر لازلت غير مقتنعة بالكيفية التي يفكر بها المجرم.
من الصعب أن نستيقظ صباحا على قضية بشعة تلوكها ألسنتنا لساعات ونتناسى أنها قد تحدث من جديد، نتناسى الدور الذي يجب أن نلعبه، ونتناسى أنّ العادة قد تخلف وراءها هوسا يصيب الناس كالمرض المعدي؛ فنصبح نستمع إلى جرائم القتل وكأنّها قضية لا تخصنا ولا نبدو بذلك الحزن وإنما يمر الأمر مرور الكرام، صحيح أنها لم تكن الحادثة الأولى ولكن الصدمة عنيفة جدا، ويجب الوقوف عندها لدراستها لوضع الحلول المناسبة؛ فالأمر لا يتعلق فقط بحجم الصدمة ولكن بقلة الوعي الذي يعيشه الكثير من الناس، وهو يعكس جهل كثير منا بالأمراض النفسية، وبالتالي التعامل مع المريض النفسي على أنّه عبء قبل أن يكون شخص يحتاج لعناية خاصة.
ناقوس الخطر بدأ يدق والحقيقة التي يجب أن ندركها أن الأمر يعد مؤشرا خطيرا وسلبيا إن لم يكن هناك اهتمام بالتربية في المجتمع وتثقيفه بما فيه الكفاية؛ حتى لا نجد أنفسنا في نهاية المطاف من الدول التي ترتفع فيها نسبة الجرائم، وهذا لا يكون مقتصرا على دور التثقيف الذي قد تلعبه مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الصحية وغيرها من المؤسسات الاخرى بل يجب أن تكون هناك جهود حقيقية تلعبها مختلف الجهات يدا بيد لتصل إلى نتيجة نهائية.
madreen@alroya.info