حكمة السلطان قابوس

 

د. محمد الشعشعي

الثالث والعشرون من يوليو هذا العام يختلف عن كل الأعوام والسنين، نعم نحتفل جميعا بذكرى عطرة وغالية على العمانيين بعد 47 عاما من عمر النهضة العمانية المباركة؛ التي أرسى دعائمها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- في 23 من يوليو من عام 1970.

والذي غير الموازين وبفضله أصبحت عمان ترفل بثوب الفخر والاعتزاز وفي تناغم مع سجل التاريخ العريق للإمبراطورية العمانية العظيمة التي امتدت الى إفريقيا جنوبا وآسيا شرقا وبلاد ما بين النهرين شمالا، فالسجل التاريخي العظيم لعمان المجد والتاريخ والحضارة، ازداد بهاء ونورا بحكمة عاهل البلاد المفدى، الذي أحيا ذلك المجد وجعل عمان شاهدا للجميع بأنّها بلاد حضارة ومنبع حكمة، ودولة قانون، تحفظ للمواطن حقوقه وأمنه واستقراره، وتحمي للوطن هيبته ومنجزاته، وتستشرق المستقبل الآمن في هدوء ونظرة ثاقبة بعيدا عن الضوضاء والعواصف التي لا تتلاءم مع النهج العُماني الهادي الذي أسس وفق قواعد الصبر ومنهج التعاضد لبناء عمان، فلولا الإرادة العمانية والعمل الجماعي، لما شقت الأفلاج الجبال الشاهقة، ولولا الحلم لما استفاد العماني من هذه الأفلاج آلاف السنين، فالفكر الهندسي الحصيف الذي شيّدت به الأفلاج يجعلنا نتساءل عن نضج وقوة الفكر العُماني منذ ذلك الحين .

ولا غرابة اليوم ان نكون أكثر نضجا وقوة وفخرا، وأن نتميز في كل شيء خصوصًا عمّا يدور من حولنا،، فتجارب العمانيين في العمل والجهد والبناء دروس كافية من أجل الحفاظ على كل ما تحقق من منجزات في هذا الوطن، كما أنّ محاربة الفرس والبرتغاليين وطردهم من عمان في حروب غابرة تعلمنا منها الكثير عبر التاريخ وأدركنا تمام الإدراك بأن نحافظ على هذا البلد ونصونه وأن نبعده عن ويلات المعارك والحروب بنصر من الله وبفضل من القيادة الحكيمة التي نأت بعمان عن كل هذا، حتى وإن كان الثمن غاليا، لأننا لا نحب الشهرة على حساب الغير، ولا نلجأ إلى "الفهلوة" الخاوية ولا نسعى إلى الضراء أو إيذاء الآخر. فالسلام رسالتنا الصادقة إلى كل أرجاء المعمورة، ولن ندخل في كواليس السياسة إلا بما هو خير في السراء والضراء، فرسالة قابوس واضحة للقاصي والداني وعمان بلد نماء وحكمة ونهج مستقيم ومنها تأتي الحكمة والحلول للكثير من الأزمات الإقليمية والدولية.

عودتنا الحياة في عمان أن نتواصل مع كل أقطار الأرض وفق مبدأ السلام والحوار لكي تسعد البشرية وتنعم الإنسانية بالرخاء والأمن، كما علمتنا الطبيعية العمانية ذات الجبال الشاهقة أن نشمر الساعد ونعمل دون كلل أو ملل من أجل البقاء بعزة العزيز وبشموخ يتعدى جبال سمحان الشماء.

رمال الربع الخالي وسيوح أم السميد ووديان حلفين وشعيت في فصل الصيف ليست كلها ضباب وأمطار خريفية بل إنّ تلك الرمال قد تزيد فيها درجة الحرارة على ٥٠ درجة وأنّ هذه الصحاري بطبيعتها القاسية يعشقها سكانها وكل ذرة رمل منها توازي أطنانا من الذهب، فالوطن منزلته في النفس عالية والذود عنه واجب وطني، وتعميره وبناؤه عمل يومي يشارك فيه كل فرد على هذه الأرض الطاهرة.

احتفالنا هذا العام يختلف عن كل الأعوام، ويومنا الوطني له طعم غير، لأنّه يأتي في ظروف وأزمات محيطة بِنَا، هذه الظروف تثبت بأنّ حكمة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه -حددت المسار الأمن لهذا البلد، والتي جعلت لعمان السلام منزلة رفيعة على المستوى الإقليمي والدولي.