حميد السعيدي
الحياة التي نعيشها حياة متغيرة وغير ثابتة، لا تستطيع أن تحقق الضمان النسبي في توافر كل السُّبل المتاحة لتوفير حياة كريمة وآمنة، فيكون الفرد في بعض حالاته قادراً على تحقيق مُتطلباته الضرورية وتوفيرها، وأحيانا لظروف معنية يصبح عاجزاً عن ذلك؛ الأمر الذي يدفع الحكومات والدول للقيام بواجبها في توفير الرعاية الاجتماعية للمواطنين، بما يضمن لهم توفير حياة كريمة تُساعدهم أن يكونوا أفرادا مساهمين في بناء أوطانهم، وتشرع الحكومات التشريعات والقوانين المرتبطة بتقديم الرعاية الاجتماعية لمستحقيها وفقا لمجموعة من الأنظمة التي تساعد على تقديم هذه الخدمات للمواطنين، وهذا يعتبر جزءا من الحقوق الاجتماعية التي يجب على الدول أن تكفلها لمواطنيها.
وتتولى المؤسسة الاجتماعية بالسلطنة عملية الرعاية الاجتماعية للفئات المستحقة ومنها فئة الضمان الاجتماعي؛ حيث تقدم لها العديد من برامج الرعاية الاجتماعية بهدف تحويلها من أسر معالة إلى أسر منتجة قادرة على توفير جميع احتياجاتها من خلال الاعتماد على ذاتها، فظهر مشروع التمكين والذي يتضمن مجموعة من المشاريع المتنوعة؛ ومنها: مشاريع موارد الرزق، ومنح الدراسة الجامعية، ومشروع تشغيل أبناء الضمان الاجتماعي، ومشروع برنامج مورد، ومشروع البرامج التدريبية، ومشروع كادر، كما أسهم القطاع الخاص بدرجة كبيرة في مساندة الحكومة في تنفيذ برامج أخرى مرتبطة بالرعاية الاجتماعية؛ بهدف أن تتحول هذه الأسر إلى أسر قادرة على الاعتماد على ذاتها؛ بحيث تنخفض نسبة الأسر الذي تستفيد من برامج الضمان الاجتماعي بصورة تنازلية.
ورغم الجهود الحكومية التي تُبْذَل في سبيل تحقيق تلك الأهداف، إلا أنَّ الاستجابة لمثل هذه المشاريع الاجتماعية لا ترقى للمستوى المرغوب فيه؛ حيث يتضح أن هناك خللا ما بين ما يتم تقديمه من دعم والعائد منه، ويتضح من خلال الإحصائيات أن مشروع صندوق الرفد بلغ عدد البرامج التي تم تمويلها 35 مشروعاً من أصل 1571 مشروعا مُخصَّصة من قبل الصندوق لأسر الضمان الاجتماعي؛ أي بنسبة 2% من إجمالي عدد المشاريع الممولة، كما اتضح من برنامج البعثات والمنح ارتفاع نسبة الرسوب من أبناء الضمان الاجتماعي؛ حيث بلغ عدد المقاعد المخصصة 1500 منحة سنوية لأبناء أسر الضمان الاجتماعي؛ وتبيَّن أن نسبة الطلاب المتسربين عام 2009م 320 طالباً وطالبة، وفي العام 2012 بلغ العدد 135 طالباً وطالبة، كذلك ارتفاع نسبة الباحثين عن العمل من فئة الضمان الاجتماعي، وعدم رغبتهم في المشاركة في البرامج التدريبية المقدمة من المؤسسات الحكومية والخاصة؛ حيث إنَّ هناك امتناعا عن الاستفادة من هذا المشروع، فكلُّ هذه الإحصائيات تعطي مؤشرات على وجود إشكاليات متعددة لدى أسر الضمان الاجتماعي وعدم رغبة البعض منها في الاستفادة من برامج الرعاية الاجتماعية.
وفي ظل الظروف الاقتصادية والرغبة في الاستفادة من الموارد المتاحة، والعمل على تحول أسر الضمان الاجتماعي إلى أسر تعتمد على ذاتها في توفير مصادر الدخل، نجد أن مدى الاستفادة من هذه البرامج منخفض، بالرغم من الجهود التي تبذل لتطوير أفراد هذه الأسر، إلا أنَّ هناك فكرا لدى البعض برغبته في عدم خسارة راتب الضمان الاجتماعي، فهو يفكر في الدخل الثابت القليل، ولا يرغب في التطوير من ذاته، بحيث يصبح فردا منتجا، وهذا الفكر هو من يحول بين الاستفادة من برامج الرعاية الاجتماعية؛ لذا فإنَّ على المستوى العام لا يزال هناك تزايد في أرقام الأسر التي تنضم إلى قائمة الضمان الاجتماعي، في حين يفترض أن يكون هناك انخفاض في الأرقام، مما يتطلب معه العمل على تغيير الاتجاهات والقناعات، وإيجاد الضوابط التي تدفعهم نحو الرغبة في التغيير، خاصة وأنَّ معظم المشاريع هي مشاريع استثنائية لأنها تتضمَّن اشتراطات أقل مما يطبق على بقية أفراد المجتمع، فمثلاً برنامج المنح التعليمية يستهدف الطلاب الذين لم يشملهم القبول في البعثات الحكومية التابعة لوزارة التعليم العالي أو وزارة القوى العاملة وغيرها؛ بحيث يتم إلحاقهم بالجامعات والكليات الخاصة بالسلطنة، ومع ذلك نجد أن نسبة التسرب مرتفعة من هذا البرنامج.
لذا؛ فإنَّ الحاجة لبرامج التوعية الاجتماعية لهذه الفئات يتطلب العمل على الارتقاء وبناء توجهات إيجابية لديهم؛ مما يساعدهم على التغيير نحو الأفضل، وتطوير قدراتهم ليكونوا أفراداً منتجين في المجتمع؛ فلا يُمكن الاستمرار في عملية الإنفاق على أسر الضمان الاجتماعي، دون العمل على إيجاد مصادر دخل أخرى لهم، أضف إلى ذلك الحاجة لتطوير مشاريع الدعم؛ بحيث تتضمن إيجاد مشاريع تجارية وصناعية تديرها هذه الأسر؛ من خلال توفير الاحتياجات الضرورية لهم كالأراضي التجارية والصناعية والسياحية التي تَضْمَن لهم مصدرَ رزق ثابتًا، مع صياغة الاشتراطات القانونية التي تضمن الاستفادة الإيجابية من هذه المشاريع؛ فعلى سبيل المثال: مساكن الضمان الاجتماعي، وهو المشروع المرتبط بتوفير مكان الإقامة الملائم لهم، تجد أن بعض الأسر اتجهت نحو بيع هذه المنازل، والبعض اتجه نحو عملية تأجيرها، وهذا لا يتفق مع الهدف الذي وضع من أجله هذا المشروع؛ فصياغة الضوابط القانونية تساعد أيضا على جعل أفراد هذه الأسر يعملون على الاستفادة بصورة إيجابية من الرعاية الاجتماعية التي تُقدَّم لهم.
hm.alsaidi2@gmail.com