مَوْسم نتائج الدبلوم العام

زينب الغريبيَّة

كلَّ عام يتكرَّر هذا الموسم، بنفس الانتظار، ويحمل أحلاما لشباب يافعين لمستقبلهم، ومستقبل البلاد بهم، أكثر من 30 ألف شاب وشابة في عمر الزهور يقفون هذا الموقف كلَّ عام، في بلد صغير بعدد سكانه، ليشكِّل هذا الرقم فارقا في مسقبل البلد وحاضره، تتعدد فيه المشاعر بين دموع حزن ودموع فرح، وبينها عيون صامته، وغيرها غير آبهة لما يحدث.

والأهمُّ من الحدث نفسه، وما ينتج عنه، أين يتوجَّه عشرات الآلاف من الشباب ذكورا وإناثا كل عام؟ وما مصيرهم؟ وهل يتوجهون في المسار الصحيح؟ والصحيح هنا له معان كثيرة، الصحيح للطالب بما يتناسب مع اهتمامه وميوله فيبدع فيه، وصحيح لما تحتاجه البلد لتنمو وترتقي به، وصحيح لما يحتاجه سوق العمل فيستقبل الخريج فرحا، وصحيح بما سيقدم له من مهارات ومعارف ترتقي به في الدراسات العليا ليكمل مسيرة النمو بشكل سليم.

هل نظام التعليم العالي بما فيه من بعثات داخلية وخارجية، وجامعات خاصة وعامة، وكليات مختلفة المجالات، ومعاهد ومراكز تدريب، وأصحاب الشركات الكبيرة الذين يستقبلون مجموعة من الشباب لتدريبهم وتوظيفهم؟ هل كل هذا مستعدٌ لتلبية المسار الصحيح للطالب الخريج من الدبلوم العالي؟ هل كل الأنظمة فيها مستعدة لتلبية احتاجات الطالب الشاب المقبل من نظام المدرسة للصغار، ليرتقي به ويصنع منه شابا مواطنا ماهرا في مهنة ما ليُسهم في بناء الوطن؟

تكتظُّ عروض أنظمة التعليم العالي المطروحة بتخصصات الهندسة ونظم المعلومات والموارد البشرية ونظم الإدارة والمحاسبة، وهل آلاف الخريجين المتكدسين منذ عدة سنوات يحملون ذات التخصصات قد وجدوا فرص عمل؟ هل هناك حاجة لهم في سوق العمل؟ هل من تخرج ومن سيتخرج يحملون مهارات حقيقية تؤهلهم للانخراط في المهن التي يحملون شهادة تخصصها، أو يستطيعون القيام بمشروع خاص يبنون فيه مستقبلهم؟ هل قدمت لهم المهارات اللازمة لذلك؟

لمَ لا نُحدِّد مطالب البلاد الحقيقية؟ هل نحتاج أطباء أم ممرضيْن؟ هل نحتاج إخصائيي كهرباء وسباكة؟ هل نحتاج لمنتجين ومخرجين في السينما والبرامج التليفزيونية مثلا؟ أم أننا نحتاج لمهندسين بأعداد كبيرة لا يستوعبهم السوق ولا يحملون من المهارة شيئًا يُذكر!

هل ما ينتظر تلك العشرات من الآلاف يستحق مشاعر القلق والدموع التي تذرف؟ هل يستحق ساعات الترقب وتعليق الحياة بأن يكون ذلك الشاب أو لا يكون بمجرد نتيجة تصدر في نهاية العام الدارسي للدبلوم العام؟ وهل ما بعد ذلك سيفي بما يرغب به؟ وبما يشبع طموحه؟ هل سيكون في أيدٍ أمينة تصنع منه المستقبل لهذا الوطن؟

قد تكون هذه القضية ليست بالجديدة، ويطرقها الشباب والأهالي بصفة دائمة، نتيجة الوضع الراهن، من تفشي ظاهرة الباحثين عن العمل، فنحن بذلك نكون قد عطلنا طاقات شبابية عن البناء والعمل، وحرمنا البلد منها، ومن خير ما ستقدمه تلك السواعد، نعم نستعين بفكر الخبرة في الحياة  والعمل والبناء، ولكن الأكيد أن الطاقات الشبابية القادرة على التجديد ومواكبة الحياة العصرية بمطلباتها، وقادرة على العطاء بجهد أكبر، وسواعد أقوى، وذهن ما زال في طور البدء للعطاء، ومستعد للتطوير والعطاء، فأكبر ما قد يحسب علينا أن نهمل هذه الطاقات، ولا نعطيعها حقها اللازم، لنجني ثمار عطائها، فالبلد والمستقبل بين أيديهم، فبقدر ما نعيطهم سيعطون، وبقدر ما نبنيهم سيبنون.

فلنجعل مَوْسم النتائج احتفالا حقيقيا، بجني سواعد شابة تنتمي بدمائها وروحها لهذه الأرض، نجنيها اليوم لنؤهلها للغد، ونرسم بها طريقا زاهرا يجعل من بلادنا تصعد على سلم التقدم والرقي، لتصل لمصاف الدول المتقدمة، بعقول وسواعد أبنائها، والتي لا تتوافر في كل بلاد، وهي قوة حقيقية إذا ما تم استغلالها بشكل صحيح.  

حينها سيكون للدموع التي ذرفت معنى حقيقي، وسيكون للشباب فعل واقعي، بدلا من أن نسجل جرائم وبطالة، نسجل حاضرا مشرقا، يمتد بالتاريخ العريق الذي سجله أسلافنا، يمتد إلى المستقبل، جاعلين من بلادنا امتدادا للحضارات البشرية القادرة، والتي تصنع حياتها بيدها وبعقول أفرادها، ولا تحتاج لموارد تنقذها أو تبني لها حياتها، فمن يملك العقل والساعد يستطيع أن يملك الحياة ويستمر فيها، مستعد بأن يهيئ لنفسه لوزام استقامة الحياة والنهضة بها، بل ويستغل الموارد الموجودة لدى غيره ليكون قائد في زمانه بين الأمم.

ونحن نمتلك تلك المؤهلات لنقود بعقول شبابنا الأمم، ونجعل موسم النتائج عرسا نقطف فيه العقول النابغة، لنؤهلها عقولا صانعة وقائدة، تصنع المجد لهذا الوطن، الذي يستحق أن نكتب اسمه عاليا فوق قمم الأمم.