فايزة الكلبانيَّة
"أنا.. والآخر"، قد يتبادر إلى أذهان كلِّ من يَقْرأ سُطُور مَقَالي هذا اليوم تَساؤلٌ حول من يكون هذا الآخر الذي أعنيه؟! لذا؛ فإنَّني ألخِّص إجابتي بقولي بأنَّ الآخر هو أنتم؛ بمعنى أنَّ الآخر هو "كل إنسان غيرك". لهذا؛ كثيراً ما يَتَبَادر إلى ذهني علاقة كلٌّ منا بالآخر؟
فمن خلال مُطالعاتنا وقراءاتنا المتعددة، كلنا نُدرك أنَّه حينما خَلَق الله أبانا آدم، خلق له كائنا آخر هو أمنا حواء، وكانت علاقة كل منهما بالآخر علاقة حب وتعاون، نضرب بهما المثال في القدوة. فلم يحدث في يوم من الأيام أن اختلف أحدهما مع الآخر، إنما عاشا متزاملين ومتلازمين، يقطعان غربة العمر معا، يقطفان الورد معا، وقد يجرحان من الشوك معا، ثمَّ كانتْ أوَّل مأساة مع الآخر، فيما قاساه ابنهما هابيل من أخيه الذي قام عليه وقتله. فكان المثال الذي علينا أن نتحاشاه.
"رفيقة دربي".. أقرب أمثلتي في نظرتي لـ"الآخر"؛ حيث إنَّ ملامح وجهها، وأسلوب تعاملها يترك انطباعا لدى من لا يعرفها ويراها للمرة الأولى بأنها إنسانة مغرورة، أو كما يتهمها البعض بـ"البطرانة"، وهكذا حكمت عليها عند لقائي بها لأول مرة على مقاعد الدراسة منذ يقارب أكثر من 12 عاما مضت وإلى اليوم، ولكن نتيجة لاحتكاكي بها عبر مرور الأيام أيقنت أنها فعلا "رفيقة دربي" التي لا تُشْبِهني بالطموحات والتوجُّهات والأفكار، ولكننا نتفق في "جنون الحياة وتحدياتها"، ولا أبدلها بأي آخر.
ففي حياتنا اليومية نُصَادف أناسًا كثيرين، وقد نعايش البعض منهم على مدار يومنا أكثر من أهلنا وأصدقاء عمرنا، ولكن فوارق العقليات وعدم توافق التوجهات والأفكار فيما بيننا تجعلنا نسيء الحكم على البعض تارة، وقد يسيئون الحكم علينا تارة أخرى، وقد نصدق في الحكم على بعضنا تارات أخرى، ولكن مع مرور الوقت نكتشف أننا قد أسأنا أو صدقنا الحكم عليهم نتيجة اقترابنا منهم واحتكاكنا في التعامل معهم أكثر عن لحظات تعارفنا الأولى. وفي المقابل، فإنَّ هؤلاء "الآخرين" يبادلوننا نفس المشاعر والمنظور؛ فقد يسيئون أو يصدقون في حكمهم علينا، إلى حين تتاح لهم الفرصة للتعرف علينا وشخصياتنا وطريقة تفكيرنا وأسلوب تعاملنا عن قرب، ولكنَّ المتعارف عليه غالبا أنَّ الوجهة الشائعة بيننا -لاسيما في المشرق العربي- النظرة السلبية بيننا وبين الآخر هي النظرة السائدة والشائعة حتى تأتي تلك اللحظات المرتقبة، فكثيرا ما نسيء الحكم على "الآخر" في نظرتنا الأولى له، ومن يَدْرِي قد يصبح هذا "الآخر" هو أقرب الناس إلى قلوبنا بعد أن نقترب منه لبرهة من الزمن، فيصبح هو المحبَّب قربه مهما ابتعد الآخرون.
لهذا؛ يجب أن يغلب الجانب الإيجابي على الجانب السلبي في حكمنا على "الآخر" حتى نعرفه عن قرب بشكل جيد، رغم أنَّ حقيقة الواقع تكون عكسَ ذلك غالبا، ولا نجعل الجانب السلبي يطغى على حياتنا، فيشتِّت شملنا نتيجة وساوس وظنون وأفكار وهمية وضعناها بأنفسنا نتيجة لمحة عين خاطفة، وصدقناها؛ فغالبا ما تخيب نظرتنا، فليس دائما المظهر الخارجي هو مقياس الحكم على الآخرين من حولنا. لذا؛ ينبغى على كلٍّ منا أن يتدرب على محبَّة الآخر؛ فالعلاقة مع الآخر كلما ازدادت قربا تتحول إلى وحدة؛ فاليوم عرفتك أيها الآخر جيدا، عرفتك أكثر ممن يعيشون حولك.. أكثر!!
-------------------------------------
همسة إليك أيُّها الآخر:
ما عادتْ هذه الأحوال تلفتني...،
ما عادت تترك أثرا في نفسي، حتى لو تكررت مرات ومرات!
تُحرِّكنا مخاوفنا في الاتجاه الآخر، تجعلنا غُرباء حتى عن أنفسنا...،
نُخْفِي كثيرًا مما نُحبُّ وكثيرًا مما يكره الناس فينا حتى لو أحببناها!