موانئ عُمان البحرية

حميد السعيدي

تمتلكُ عُمان موقعا إستراتيجيًّا مهمًّا من الناحية الجغرافية والسياسية والملاحية، يُساعدها على تحقيق أهداف اقتصادية متنوعة، حيث تُشرف على مضيق هرمز، ووقوعه على مجموعة من البحار، كبحر عُمان، والخليج العربي، وبحر العرب، بإطلالته على المحيط الهندي، وقربه من خطوط الملاحة العالمية، إلى جانب موقعها بين قارة آسيا وإفريقيا؛ فأصبحت تُمثل نقطة الارتباط بين خطوط الملاحة التي تصل بين قارات العالم، هذا الأمر دفع الحكومة لإنشاء العديد من الموانئ البحرية والتي توزَّعت بين مواقع متميزة، إلا أن هذه الموانئ لم تتمكن من المساهمة في الدخل القومي؛ حيث أشارت بعض الإحصائيات إلى أنَّ حجم التناول فيها وصل إلى خمسة ملايين حاوية في العام الواحد، وهذه نسبة أقل من 1% من حجم التناول العالمي، كما أشارت بعض التقارير إلى أنَّ السلطنة تحتل المرتبة 62 وفق تقارير التنافسية في تقديم الخدمات اللوجستية، وهذه الإحصائيات لا تعكس حجم الاستثمار في هذا القطاع، والذي يتجاوز عشرات المليارات التي تُضخ في تطوير هذه الموانئ وتوفير البنية الأساسية والخدمات والمناطق الصناعية المرافقة لها.

وفي ضَوْء الظروف السياسية التي تمرُّ بها منطقة الخليج العربي -نظراً لتضارب المصالح العالمية في هذه المنطقة الحيوية- فإنَّ الأمرَ يتطلب إعادة تقييم مدى مقدرة هذه الموانئ على تحقيق العائد الاقتصادي، وقدرتها على الاستفادة من الإمكانيات الجغرافية في عملية التبادل التجاري، خاصة وأنَّ مُعظم الاستثمارات العُمانية تتجه إلى موانئ خارجية، نتيجة لعدة ظروف أسهمتْ في عدم مقدرة الموانئ المحلية على دعم الاقتصاد الوطني؛ مما يعني أن كل هذه الاستثمارات الوطنية التي أنفقت على هذه الموانئ لم تحقق الفائدة منها؛ الأمر الذي يدفع الكثيرين اليوم للتساؤل: أين تكمن المشكلة؟

الإحصائيات والمؤشرات تؤكِّد أنَّ هذه الموانئ بحاجة للتطوير في العديد من الجوانب، والتي يُفترض أن تكون مُواكِبة لنمط وأسلوب التجارة العالمية، ومنها ما يتعلق بالتشريعات والقوانين، والدعم اللوجستي، والموارد البشرية؛ حيث إنَّ التشريعات الحالية لا تشجع على الاستثمار المحلي والأجنبي في هذه الموانئ؛ لأنها لا تتوافق مع مصالحهم الاقتصادي، إلى جانب أنهم يجدون تشريعات أفضل في الموانئ الأخرى، أما على مستوى الجوانب الإدارية فإنَّ هناك معاناة من بطء تخليص إجراءات المعاملات في الموانئ؛ مما يضيِّع الكثير من الوقت للمستثمر، ويؤدي إلى التأخر عن رحلات السفن المغادرة وبالتالي تأجيل الشحن، إلى جانب وجود العديد من القوانين التي تنظم عملية رسو السفن العملاقة لا تتوافق مع عملية التبادل التجاري؛ مما يدفع هذه السفن للذهاب إلى الموانئ الأخرى للحصول على الخدمات التي تحتاجها، والتعقيدات البيروقراطية وشعار الممنوعات المتبعة من قبل الجهات المعنية تسهم في عدم انسيابية حركة التجارة في الموانئ، وتعتبر الدعم اللوجستي من الاشتراطات المهمة في الموانئ ومدى مقدرتها على تخليص إجراءات تفريغ السفن أو شحنها، حيث تتميز بالبطء الشديد والتأخُّر في إجراءات تفريغ السفن من الحاويات والعكس، وقلة عدد الرافعات، وارتفاع قيمة الدعم في وقوف السفن، وأيضا قيمة الدعم المتنوع لاحتياجاتها المختلفة من المواد التموينية كالمياه، والمواد الغذائية والوقود، والاحتكار في شركات تزويد السفن بالوقود على شركة واحدة، مما يقلل من جودة الخدمات المقدمة، وارتفاع أسعارها في غياب المنافسة التجارية.

وفي ظل هذه التحديات، كان من الأجدى مُعالجتها حتى تتمكن الموانئ العُمانية أن تستفيد من الموقع الجغرافي للسلطنة لتصبح موانئ عالمية، خاصة قربها من خطوط الملاحية الدولية التي تربط بين الشرق والغرب، إلى جانب أن ما يحدث من تقلبات سياسية في المنطقة يدفع العديد من المستثمرين للتوجه نحو عُمان، وحتى يتم الاستفادة من ذلك حان الوقت أن يكون هناك تطوير في كافة المجالات التي تسهم في إحداث تطور كبير في الحركة التجارية في هذه الموانئ، خاصة ما يتعلق بتطوير القوانين والإجراءات الإدارية والجمركية والشفافية والحوكمة، ومنح القطاع الخاص دورا محوريا لتنشيط الاقتصاد الوطني وتشجيعه؛ بما يُساعد على تشغيل الكوادر الوطنية وتوفير فرص العمل للشباب العُماني.

Hm.alsaidi2@gmail.com