البحث عن "المايسترو"!

 

هلال بن سالم الزيدي

ثمَّة أمر ما.. هناك من يلزم الصمت ويُلزم الآخر به.. فتلك الكيانات تتمكن وتيسطر على مجريات الأمور، ومن البديهي أنها تتحكم، لأن الشخوص من حولها لا قيمة لهم فهم مجموعة لكن قلوبهم شتى، لذلك لا أثر لهم إلا ضمن منظومة ذلك المسيطر، فلا قائمة تقوم لهم ولا صائبة يعلنون عنها إلا كما يُريد ذلك المتسيّد..

إذاً هي القوة التي لا يُمكن أن يجابهها القانون، لأنها ملتوية عليه، ومتلوية بروحه التي وصفوها بالمرنة عندما أرادوا أن يبتّوا في شيء لصالحهم، وجامدة عندما رغبوا في تبييت مآلاتهم في جُنح الظلام، لأنَّ المبادئ تقوم على تقسيمة عادلة في ظنهم ومجحفة في واقع الأمر.. فهنا تتضح الأنا، وتتشكل مخاضات التحكم المبنية على رغبات أفراد أجازوا لهم ما لا يجوز لغيرهم، والسؤال الذي يشق صمت المكان هنا يقول: لماذا هم بذواتهم؟ ألا يمكن أن تلد الأرحام غيرهم؟ لكن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن أن تكون محصورة في اجتهادات وإنما تحتاج إلى اعتراف بأن أولئك البشر موجودون، ولا تقبل الإجابة تأويلات تعتمد على الظن أو الجزم، فعندما نسبر تلك الهالات التي تكومت على مراحل من الزمن فإننا نتحسسها وبقوة في كل مكان، والذكية منها من يستطيع أن يُطرّز وجوده بقوة القانون وانحسار أولئك الذين يقفون لهم بالمرصاد، إلا أنَّ السواد الأعظم يوضّح بأن من يقع عليهم ممارسات أولئك الذين استباحوا كل شيء إنما هم عديمو المبادئ، لأنهم تاجروا بكل ما يملكون في سوق النخاسة، فأملت لهم الحياة أن يبيعوا كل ما لديهم جراء ابتسامة أو حظوة يحظون بها من قبل المنتصبين والمنصّبين عليهم.. إنها مفارقات تدور زوابعها بقوة.

إنَّ القاطن في مركز الزوابع هو المتضرر الذي يرى كل شيء يتهاوى، أما البعيدون فتصلهم رياح الزوابع باردة يتلذذون بها فيجعلونها أنشودة يرتفع بها أولئك الثُلة في أنظارهم فيكونون القدوات التي يتأسون بها، أو ربما النماذج المثلى في منظومة من المنظومات فتنتفخ كروشهم وتتنامى عروشهم لمُجرد أنَّهم يقبعون في تلك الأماكن، ومهما قيل فيهم من حقائق دمّرت الفكر، إلا أنَّ صداها ضعيف ولا يُمكن أن يُقبل به، فهي كأحاديث المجانين الذين فقدوا عقولهم، وبالتالي فنبذها هو الأهم والأصح بين أولئك! إذاً فمسألة العقل مرهونة بالجنون وما دار في كنفه سيكون جنوناً لا يغني ولا يسمن من جوع، وملاحقته ليصفد بالأغلال أنجع وأنقى حتى يُمارس "أولئك" ترهاتهم وخزعبلاتهم التي باتت توصف بالحكمة والعقلانية والأفكار القادمة من خارج صندوق الغباء.

عندما يتجمّع العازفون بآلاتهم الوترية أو القرعية أو النفخية فإنهم يبحثون عن "المايسترو" حتى يقود تلك الفنون في قالب موسيقي تستلذ الآذان به، إلا أنَّ المايسترو الحقيقي غير موجود ومغيّب، أو مطمور بين كثرة الفارغين، لذلك يحاول "راعي الحفل" أن يأمر أحد الحضور بأن يقوم بدور المايسترو من أجل توجيه الجوقة لعمل ما أو إنتاج مشروع مُهلهل لا قيمة له، فقط تنفيذا للأوامر، فيشمّر ذلك "النكرة" عن سواعده الورقية، فيطفق خصفًا وضربًا في فضاء المكان، فيهيم بين جمهور لا يفقه من الموسيقى إلا قعقعتها وصخبها، فتعلو الهتافات ويكثر التصفيق، وينتشي المايسترو المقلد فيقول: ها أنا ذا.

إننا في مرحلة نبحث فيها عن مايسترو يستطيع أن يفك شفرة السلم الموسيقي، هذا السُلم الذي لا يعترف بالتسلسل في الصعود والهبوط، فكل ما يحيط بنا، وكل ما نراه من أفعال لا تعطي انطباعا بأننا نستطيع استغلال المرحلة التي تتهاوى، فجل المايستروات لدينا "دقة قديمة" لا يستطيعون أن يفهموا واقعاً ليس لهم، وكلما تقدموا في العمر كلما ثبّتوا أقدامهم، وكلما تثبتت أقدامهم تكونت حولهم البطانات الطالحة التي تغذيهم بما ليس لهم، لمُجرد أنها تتغذى على فتاتهم الذي ينثرونه بين فترة وأخرى بالمن والأذى.

إنّ الحديث عن منح فرصة للشباب يكون مجرد أحاديث يتسلى بها أولئك الذين تمادوا في طغيانهم يعمهون، لذلك يتمسك من هم في فئة الشباب بتلك الأيقونة فيضعونها أملا وحلمًا يحتاج إلى أن يتحقق، إلا أن المشخّصين لقدرات الشباب يعتمدون على بعض الوقائع التي تشير إلى مسألة "التعجل"، فشبابنا حسب أحاديث "شيابنا" هم مستعجلون ولديهم قرارات تنسف كل ما تمّ بناؤه حسب اعتقادهم، لذا فليس هذه هي مرحلة منح الشباب الفرصة.. وعليه فإنَّ المنظومة ستسير بحسب ما يريد أولئك الذين سيطروا، ليلح السؤال: متى سيرى الشباب الفرصة يا "شيابنا"؟، ولا يزال البحث عن المايسترو مستمرًا.

همسة:

لا تحاول أن تكون حملاً وديعًا بين أحداث متسارعة.. لأن التيار لا يرحم هزالك وانهزاميتك.. سيرميك خارج الإطار فتبقى منبوذا لا حول لك ولا قوة، وتذهب الفرص أدراجها.

abuzaidi2007@hotmail.com