الحكمة العمانية في اتخاذ القرار

 

 

فؤاد القاضي

 كاتب وصحفي يمني

تعيش الساحة العربية والإسلامية أحداثا عاصفة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة من تاريخها؛ أكثر من أي وقت مضى، إزاء ذلك برزت وتبرز مواقف متفاوتة، متقاطعة في مسارها، ذلك بالطبع لا يخدم سوى أعداء الأمة. هذا أمر معروف للجميع لا يستدعي الكثير من الشرح والتوضيح.

أمام كل ذلك تبرز بالمقابل مواقف حكيمة، عقلانية، ذات رؤية سياسية عميقة وناضجة لدى البعض القليل من الأنظمة العربية جراء ما يدور من اختلافات داخل محيط الأمة، تحتل صدارة هذه المواقف، سلطنة عمان الشقيقية بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه-..

هذه المواقف تشكلت وتتشكل في ذهن المواطن العربي على هيئة صورة جميلة كنموذج للعقلانية والواقعية والحكمة في التعاطي. مع الأحداث في واقع عربي إسلامي يشوبه التخاذل والاختلاف والفرقة إن لم نقل الشتات.

نعتقد أن هذه التناولة الصحفية ذات مكانة استثنائية.. تكتسب معنى خاصا وأهمية كبيرة ودلالة عظيمة تستمدها من كينونة من نكتب عنه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى من ارتباطها الوثيق بنموذج نظام سياسي يمتل قدوة رائعة في كيفية التعامل مع قضايا محيطه الإقليمي والعربي والدولي، بشهادة الكثير. من القادة والزعماء والمحللين والمراقبين السياسيين.. إنّه نموذج سلطنة عمان الشقيقة بقيادة جلالة حكيم الأمة جلالة السلطان قابوس بن سعيد، حفظه الله الذي استطاع أن يجعل من عمان البلد المتميز ذي السمعة الطيبة على مختلف الأصعدة في محيطه إقليميا وعربيا ودوليا يشار إليه بالبنان في المحافل الدولية.

وتجسدت في قيادته للسلطنة أبلغ المعاني التي تترجم وتؤكد، أنه حينما توجد قيادة حكيمة تنظر وتتعاطى مع الأمور والشؤون برؤى ثاقبة وفهم عميق لمجرياتها بصورة حقيقية وواقعية تستلهم الحاضر وترنو للمستقبل بآفاق واسعة وبصورة ناجعة، يمكن بناء وطن عظيم له مكانته بين الأمم وشعب عظيم يعتز بوطنه وتاريخه وحضارته وقيادته التي يسير وراءها بخطى ثابتة، واثقا بأنه مثلما امتلك بفضلها حاضر اليوم الجميل، لا خوف عليه من امتلاك المستقبل الأجمل.

وعطفا على بدء، يظل تعاطي القيادة السياسة العمانية مع مجريات الأحداث في محيطها الإقليمي، العربي، الدولي مثار اهتمام كثير من السياسيين والباحثين. وبالطبع لا يمكن النظر إليه إلا من رؤية يمكن وصفها بالمواقف السياسية الناضجة والعقلانية، المتسمة بالاتزان والاعتدال والواقعية والتروي في اتخاد المواقف، ليس حرصا على المصالح العليا لسلطنة عمان كحق مشروع وحسب، بل حرصا على المصالح العليا للأمة العربية التي لم تعد بحاجة اليوم إلى المزيد من الشروخ والانقسامات والتشرذم الذي تعيش، بقدر ماهي في أمس الحاجة إلى رص الصفوف والتكاتف ونبذ الفرقة لمواجهة الأخطار والتحديات التي تجابهها شعوب الأمة على المستويين الداخلي والخارجي. ومن هذا المنطلق نعتقد أنّه جاء الموقف العماني المحايد جراء الأزمة الأخيرة التي نشبت بين كل من قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين. وفي سياق الحرص على وحدة مجلس التعاون الخليجي أبدت سلطنة عمان استعدادها للوساطة بين الأشقاء في المجلس.

ولمزيد من الإنصاف في هدا المنحى، لابد من القول إن سلطنة عمان، أكثر دول الجوار التي تعاملت وبشكل حقيقي وواقعي مع مبدأ حسن الجوار والتعايش السلمي وعدم التدخل في شؤون الآخرين مع كل جيرانها ومنهم نحن في اليمن، حيث جسّدت ذلك عمليا عند نشوب الأزمة الأخيرة في اليمن عام 2015، في عدم انضمامها إلى صف (التحالف السعودي) في الحرب على اليمن، برغم انضواء السلطنة تحت عضوية مجلس التعاون الخليجي الدي انساقت إليه مع الأسف كل دول المجلس؛ حيث جاء الموقف العماني بمثابة تأكيد متجدد على استقلالية القرار العماني الذي لا يخضع للتبعية العمياء تحت تأثير وحدة قرار التجمع الإقليمي، إن لم يراعِ ذلك القرار سيادة واستقلال ومصالح الآخرين من الجيران، كما عبّر عن حرص سلطنة عمان بقيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان على النزوع للحلول السلمية إزاء الصراعات مهما كان حجمها، وإيمانه بأنّ مبدأ الخيارات العسكرية واللجوء إلى العنف لن يزيد تلك الصراعات إلا تأجّجًا واشتعالا؛ لذا ظلت عمان في مقدمة الدول التي دعت إلى إيقاف الحرب في اليمن قبل وبعد تدخل التحالف حيث دعت أطراف الصراع إلى الجلوس على طاولة الحوار والتباحث. مثلما أسهمت عمان بالفعل في تشجيع والدفع بمفاوضات الكويت، من خلال احتضان وتسهيل وصول الوفد اليمني المكون من الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام إلى مفاوضات الكويت، وكذا احتضانها للمشاورات التي جرت بين وفدي الأزمة في نوفمبر من العام المنصرم، والذي كان من المقرر أن يصدر عنه "اتفاق مسقط".

إنّ الحديث عن سلطنة عمان باعتقادنا.. دائما ما يكون ذا شجون.. وسيكون أجمل حينما يبتعد عن السياسة.. وهذا ما قد نتناوله في المرات المقبلة.

تعليق عبر الفيس بوك