الفلسفة الإسلامية والتأثير اليوناني عليها

 

د.يحيى أبو زكريا

جدل كبير ومُثير اندلع في الأزمنة الغابرة وما زال الإشكال قائماً إلى يوم الناس هذا.. ويتمحور الإشكال حول ماهية الفلسفة الإسلامية، وهل هي نتاج خالص وقح للعقل المسلم أم أنَّ الفلسفة الإسلامية هي استيراد وتعريب للفكر اليوناني والإغريقي والذي أضفي عليه طابع الأسلمة.. وقد حمل أبو حامد الغزالي راية الحملة على الفلاسفة المسلمين واعتبر أنَّ المُترجمين لكلام أرسطو لم ينفك كلامهم عن تحريف وتبديل محوج إلى تفسير وتأويل.. وأقومهم بالنقل والتحقيق من المتفلسفة في الإسلام الفارابي وأبو نصر وابن سينا، فتقتصر على إبطال ما اختاراه ورأياه الصحيح. فليعلم أننا مقتصرون على رد مذاهبهم بحسب نقل هذين الرجلين..

 ويقول ابن تيمية: وأما الخلاف الذي بين الفلاسفة فلا يحصيه أحد لكثرته ولتفرقهم، فإنَّ الفلسفة عند المتأخرين كالفارابي وابن سينا ومن نسج على منوالهما هي فلسفة أرسطو وأتباعه، وهو صاحب التعاليم: المنطق والطبيعي وما بعد الطبيعي

ويذهب البعض إلى القول بأنَّ الأثر الفلسفي الإغريقي تسلل إلى بنية الفلسفة الإسلامية على مستوى المفهوم الفلسفي وحتى على مستوى المضامين وخصوصاً عندما انطلقت بعض العقول الإسلامية من القول بأنَّ مذاهب الفلاسفة المتقدمين كانت توحيدية، وهناك من اعتبر أرسطو وأفلاطون من الأنبياء، وهنا يشار إلى الفارابي المتأثر بهما، والدكتور مصطفى محمود الذي كان يقول هل فلاسفة الإغريق أنبياء ورسل أم فلاسفة، ويقول في هذا السياق أن أرسطو كان يرى أن الله خلق كل شيء، وأفلاطون كان يسمي الله مثال الخير، وكان يرى أنَّ العالم ينقسم إلى عالمين أما فيغن فكان يسمي الله"المطلق"، وكان يرى أنَّ الأفكار تتلاقح وتصعد إلى الله سبحانه وتعالى، و"بيركسون"يرى أنَّ هناك قوة كانت سبب الوجود، و"شوبنهاور" كان يسميها الإرادة، وحتى أن"كونفيشيوس"كان نبياً عاش في الصين، ومنه انطلقت"الكونفشيوسية" التي تهتم بالعلاقات الإنسانية والسلوكيات الاجتماعية وعلاقة البشر في ما بينهم.

ولطالما انطلق الكندي من مفاهيم أفلاطون وأرسطو وصاغ كتاباته الفلسفية. ومن الكندي إلى ابن رشد كانت القضايا والمضامين الفلسفية التي أنتجها فلاسفة اليونان حاضرة في داشرة العقل المسلم. فعلى الرغم من صياغة الفيلسوف المسلم لقضايا وإشكاليات خاصة به، أفرزتها شروط ثقافته ومجتمعه العربيين الإسلاميين، فإنِّه اشتغل بقضايا فلسفية كما صاغها فلاسفة اليونان، واستعاد في الوقت نفسه المحتوى المعرفي الذي ضمنوه لتلك القضايا، وذلك في صورة عرض أو شرح أو تلخيص أو تعليق.

فهل كانت الفلسفة الإسلامية اجترارا وتكرارا لفلسفة اليونان وإعادة إنتاجها لكن باللغة العربية؟

وهل كانت الفلسفة اليونانية مادة التفكير الفلسفي في الإسلام وأصبحت جزءا منه؟ وهكذا اختلط النص الديني الإسلامي بالموروث الحضاري اليوناني فبدأ الضياع في العالم الإسلامي، الضياع الفكري والفلسفي؟

وأين أصبح النص بعد تحول النص اليوناني المعقلن إلى نص بديل؟