حمود بن علي الطوقي
تصاعد مُقلق يطال الساحة السياسية الخليجية في الآونة الأخيرة، لم يكن في الحسبان ولم نكن نتوقع كأبناء منظومة خليجية ظلت مُتماسكة منذ إنشاء المجلس عام 1981، أن يصل بنا الحال إلى هذا التصعيد في العلاقات بين أبناء الخليج، الذي ظل شعاراً ينشد ويُحفَّظ للأبناء.
"خليجنا واحد.. مصيرنا واحد"، ربما هذا الحلم الذي تمسكنا به على مدار ثلاثة عقود تلاشى وتلاشت معه الأمنيات.
كنت مشاركاً كصحفي في القمة الأخيرة التي استضافتها الرياض، وكنت أرى أنَّ هذه القمة فرصة لإعادة اللُحمة العربية، وإعادة بناء المنظومة الخليجية بشكل يضمن لنا تقرير مصيرنا، ويبدو أنَّ الأوراق قد تداخلت، وتحديدًا بعد مُغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأراضي السعودية؛ حيث بدأت بعدها الحرب الإعلامية على قطر، على الرغم من تأكيدها باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية. كمُراقبين ومُتابعين كنَّا نتوقع أن يكون التصعيد الإعلامي لأيام معدودات وتعود المياه إلى مجاريها، ولكن ما حدث كان أكبر من أية توقعات، وعلى الرغم من زيارة أمير قطر بسبب وساطة كويتية بين ثلاثي البيت الخليجي، إلا أنَّ الدراما أخذت شكلاً تصاعديًا حادًا، تمثل في إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية أمام قطر من جانب المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وإمهال البعثات الدبلوماسية القطرية في الدول الثلاث مع الرعايا القطريين فرصاً زمنية للمغادرة، بلغ أقصاها أربعة عشر يومًا..
(كعبة المضيوم) كما هو الاسم الذي يطلق على قطر، بصفتها مكانًا يتم فيه إنصاف المظلوم مما وقع عليه من ظلم، ها هي اليوم تُعاني من عزلة في البيت السياسي الواحد (دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، مع تصعيد تجاوز النبرة الإعلامية المعهودة في هكذا مواقف بين الدول.
يبدو أنَّ الوضع السياسي للمنطقة مرسوم سلفاً منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي في ما تم الاصطلاح عليه (الشرق الأوسط الجديد)، بديلاً عن خارطة (الشرق الأوسط) القديمة، تتناسب مع المصالح الأمريكية المستقبلية، وهذا أوقع الأنظمة السياسية الخليجية الحالية في مفترق طرق، وكأن ما نادت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأسبق حول ضرورة وجود (فوضى خلاقة) يتحقق على أرض الواقع، حين يبدأ الأشقاء في تقطيع أوصال أنظمتهم بأيديهم، وفق أجندات تفوق تصوراتهم البسيطة، وإلا ما الذي يجعل دولة بحجم جغرافية قطر يتم عزلها تصاعديًا من المنظومة الخليجية وصولاً إلى المالديف؟!
إنَّ الذي يحصل على مستوى الأنظمة في حياكة المواقف والتصورات وتحريك التفاصيل على الأرض مسألة عالمية، وشهد العالم أمثال ذلك كثيرًا، ولكننا على مستوى الشعوب الخليجية ينبغي لنا النظر بعين مُختلفة، فلا ينبغي لوشائج التاريخ والذاكرة المشتركة والثقافة الواحدة والدين الواحد والدم والقربى أن تراق مثل الماء في رمل مُتعطش من فرط الظمأ، ومصالح الشعوب فوق مستوى الأنظمة ذات الخلافات الأنانية والمستقبل المشخصن الذي يستبعد الشعوب ويجعلها بيادق للخلاف.
لذلك يتعين على عقلاء الأمة أن يساهموا في رأب الصدع الخليجي الخليجي، والعربي الخليجي، حماية لكيان عالمنا العربي، الذي لم يكن يوما في منأى عن الصراعات الإقليمية والعالمية، وساحة للنزال بين أطراف عدة، يدفع ثمنها في النهاية المواطن العربي.
أبناء الخليج من الرياض إلى أبوظبي، ومن المنامة إلى مسقط، ومن الدوحة إلى الكويت، يرفعون الأكف في هذا الشهر الفضيل، داعين الله عز وجل أن يحفظ أبناء الخليج من الفتنة، ما ظهر منها وما بطن.
ويبقى أن ندعو الله أن يشهد خليجنا تحولا إيجابيا للأحداث، بأن تصب في صالح الشعوب. والله يجمع شملنا بإذنه وتوفيقه.