التنمية كمنهاج عمل

حاتم الطائي

عديدةٌ هي الرسائل التي يُمْكِنُ للمواطِنِ العُمانيِّ استنطاقها من اجتماع مجلس الوزراء الأخير، الذي تفضَّل بترؤسه مَوْلَانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- الأسبوعَ الماضي؛ إذْ مثَّل الاجتماع خارطةَ طريق للمرحلة المقبلة؛ ومِنْهَاجِ عَمَلٍ يُحافظ على مُكتسباتنا، ويُعظِّم مردودَ مشروعاتنا وبرامجنا الوطنية، مع تكامُل بناء دولة المؤسسات، وتعاظُم أدْوَارها لمقابلة احتياجات المرحلة ومُتطلَّبات المستقبل.

ولعلَّ مُنطلقًا كهذا، يُوْجِب التوقُّفَ عند النقاط الأساسيَّة التي أشار إليها جلالة السلطان المعظم خلال الاجتماع؛ فالارتياح الذي أبداه جلالته لما حقَّقته مسيرة التنمية الشاملة في البلاد؛ بقدر ما يبعث على الفخر والاعتزاز بتحوُّلات نوعيَّة أفضتْ لبناء دولة تتمتَّع بحِرَاك داخليٍّ واسعٍ ودَوْر إقليميٍّ متميز، إلا أنه يلامس بُعدًا آخر، مُؤدَّاه آلية استدامة مُحدِّدات البقاء في خانة الإنجاز والتحوُّلات النوعية، وتوسيع مداها وتعميق مساراتها في الواقع؛ وهي منهجية لا تخلو مناسبة أو خطاب لجلالته إلا شدَّد على ضرورة تبنيها وتفعيلها في المشهد العُمانى بكل تجلياته، وهو ما من شأنه أن يُشكِّل أرضيةً مفعمةً بالآمال والقدرة على رَفْدِ الوطن بمتطلباته.

وهي ذات الحال مع تَعْبِير جلالته -أبقاه الله- عن تَقْدِيره لجهود دعم سياسات التنويع الاقتصادي؛ وهو -في رأيي- تقديرٌ يحمل توجيهًا ساميًا بضَرُوْرَة مُوَاصَلة جُهُود تَوْظِيف الإمكانيات مِنْ أجلِ تنفيذها، والوصول بِهَا لمستوياتٍ أكثر حُضُوْرًا وتميُّزاً وتفاعُلاً مع التطوُّرات والمستجدَّات التي يَشْهَدها قطاع الاستثمار في العالم؛ لذا كان التوجيهُ السَّامي بزيادة الاهتمام بالقطاع السياحي لتحقيق إضافة ملموسة لمصادر الدخل، والبحث عن حلول غير تقليدية لتعزيز معدلات التنمية غير المعتمدة على النفط، وُهوَ ما يُفسِّر تأكيد جلالته بَعْدَها على ضرورة مُواصَلة جهود الشراكة بَيْن الحكومة والقطاع الخاص؛ شراكة حقيقية يَلْتَئِمُ تحت مظلَّتها الجميعُ بوَعْيٍ وإدراكٍ؛ لمواصلة المسار التنموي، وتقديم المصلحة العامة دائمًا على ما سواها؛ لتجاوز التحديات المختلفة برُوْح الإجماع الوطني، وعلى هَدْي مَبَادئ راسخة، نحو مراتبَ التقدُّم والمنافسة الحضارية بين الأمم.

رابع رسائل الاجتماع كانتْ في توجيه جلالته -حفظه الله- الشكرَ للمواطنين لتعاونهم فِي إنجاحِ بَرَامِج وخطط التنمية، وَثَنَائِه على الدَّوْر المهم الذي يقوم به الشباب، وأهميَّة تشجِيْعِهم وَدَعْم قُدَراتهم والارتقاء بمُسْتَوى تأهيلهم؛ لتمكينهم من الاستفادة من الفرص المتاحة لهم، كبرهانٍ على سِيَاسة مُتأصِّلة منذ بداية عهد نهضتنا المباركة، تَضَع الإنسانَ والمواطنَ مِحْورَ وركيزةَ البناء، كَمَا أنَّه ثناءٌ يَحْمِل العديدَ من الرسائل الوَاضِحَة، والتي تشجِّع أبناءَنَا من الشباب على الهِمَّة والنشاط، والتشمير عن سَوَاعِد الجد، وتجدِّد الثقة في طاقاتهم وقدراتهم، وأنَّ سواعدهم هي مِعْوَل بناء الوطن، ولاعب رئيسي وَمُهِم في مُوَاصلة مسيرة التطوُّر والنماء.

جُهُوْد تقريبِ وجهَات النظر إقليميًّا ودوليًّا، والاتزان الدبلوماسي العُماني المشهود، لم تكن ببعيدة عن تأكيدات جلالته -أبقاه الله- خلال الاجتماع؛ ففكرُ جلالته الملهم في التعاطي مع التطوُّرات الإقليمية والدولية تحليلاً ونقاشاً وإجراءً، وإيمان جلالته العَمِيْق بضرورة التأكيد على مُواصلة السلطنة دَعْمَها للجهود المبذولة إقليميًّا ودوليًّا لتعزيز التفاهم والسلام؛ هي في الأصل رُوْح الرِّسالة العمانية التي عرفها العالم في كل القضايا، لضبط إيقاع المشهد ليس في المنطقة فحسب، بل العالم كله، فمفهوم الحوار وتقريب وجهات النظر وَمُرَاعاة عَدَم التدخُّل في شؤون الغير، هي منارات عُمانية ساطعة وَسْط ظلماتِ التفرقة والتنافر والبُعد عن الحوار، والتي ابتُلي بها عالمنا اليوم.

... إنَّ ما حَمَله اجتماعُ مجلس الوزراء من رسائل لامستْ أبعادَ التنمية المختلفة -صحيح أنَّ الشأنَ الاقتصاديَّ استحوذ على أغلبها بفعل الظَّرْف الآني- إنما هو انعكاسٌ لمنهجية الفكر الاستشرافي لدى مولانا المفدَّى، والذي يقوم على قراءةٍ ثاقبة للواقع، وتوظيف حصيف للإمكانيات، يقوم على التوازن والعقلانية والواقعية وتحقيق الممكن، وعدم الانسياق وراء الموجات الشعاراتيَّة الفارغة التي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر.. وهي مُعطيات تؤكد أنَّ بلادنا على المسار الصحيح، وأنَّ أساسَ الفعل التنموي الواعي فيها قائمٌ على الفهم الصحيح لمتطلبات المجتمع، والملبي لاحتياجات كل مرحلة وفق أسس منهجية، وبناءً على تخطيط سليم، يكفل تعزيز نهضتنا، ويُعمِّق ما تعيشه بلادنا من حراك تنموي.. وهي ثوابت راسخة متجذرة ولا بد لها أن تظل كذلك، أمَّا تفاصيل إنفاذها، فأولوياتها تخضع لطبيعة المرحلة وظروفها المختلفة.