مخاطر الاندماج الثقافي والاجتماعي في دول الخليج

عبيدلي العبيدلي

اعتبرَ مجموعة من المثقفين والخبراء العرب يعيشون في ألمانيا "أنَّ الخطاب الأخير لوزير الداخلية الألماني -والذي نشرته إحدى الصحف بخصوص "ريادة الثقافة الألمانية"- لا يخدم الاندماج ويُشكِّل "استفزازا"، وآخرون يرون أنَّ الوزير استخدم مفهوم الريادة بشكل خاطئ". جاء لك في أعقاب التصريحات الأخيرة التي أطلقها وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير "حول مفهوم ريادة الثقافة الألمانية، (والتي) أثارت جدلا داخل المجتمع الألماني، خاصة بين المسلمين وفي أوساط الجاليات العربية بالإضافة إلى اللاجئين؛ حيث وصف بعضهم الخطاب بالمستفز".

ومن بَيْن "النقاط التي تمَّ التركيز عليها في الورقة: مبادئ الاحترام المتبادل والتسامح في الفضاءات العامة وفق الإطار الديمقراطي، إضافة إلى تشجيع ثقافة الاختلاف وحرية التعبير في مجتمع تعددي".

كما تناقلتْ وسائل الإعلام المختلفة أنَّ "الوزير الألماني كان قد صرح في مقال له تم نشره في 30 أبريل في صحيفة "بيلد أَم زونتاغ الألمانية"، أنه يريد أن يدعو إلى نقاش حول بعض الأطروحات عن "ريادة الثقافة الألمانية" تتمحور حول عادات وتقاليد ألمانية اجتماعية".

والحديثُ عن الاندماج الثقافي والاجتماعي مسألة تاريخية جاءت كإفراز طبيعي لاضطرار نسبة من سكان بلد معين الهجرة إلى بلد آخر. وتقف وراء هذه الظاهرة مجموعة من العوامل البعض منها الاقتصادي، عندما يترك الناس بلدانهم بحث عن الرزق أو تحسين شروط معيشتهم، والسياسي هربا من سياسة البطش التي يعاني منها المواطنون في بلدانهم الأصلية، وافتقادهم إلى الحدود الدُّنيا من الحريات السياسية والشخصية التي يبحثون عنها، والثقافي، حين تجد فئة عرقية معينة نفسها محرومة من ممارسة طقوسها الحضارية أو واجباتها الدينية. وفي أحيان كثيرة لا يقف سب واحد وراء هروب المواطن من بلده، بل مجموعة متداخلة من الأسباب من بينها تلك التي جئنا على ذكرها.

وقد تناولت قضية الهجرة والاندماج الثقافي والاجتماعي العديد من المؤسسات ذات العلاقة بها، سواء في البلد المرسل لموجات الهجرة، أو في البلد المتلقي لها. كما كتب عنها الكثير وبلغات مختلفة من بينها كتاب "قضايا المهاجرين العرب في أوروبا"، من تأليف الباحث مصطفى عبدالعزيز مرسي، الذي راجعه الكاتب محمد ولد المنى، الذي ينقل عن الكاتب تشخيصه لتعقيدات "قضايا الهجرة بالنسبة للمهاجرين العرب المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي، وعزلتهم النسبية عن المجتمعات الأوروبية؛ الأمر الذي يقلل من فاعليتهم فيها... إنها تعود في جانب منها إلى السياسات العنصرية التمييزية المتبعة تجاه المهاجرين المسلمين في الدول الأوروبية، وفي جانب آخر إلى عدم تأهيل هؤلاء المهاجرين وتوعيتهم على نحو كاف بأوضاع الهجرة وتقاليد مجتمعاتها، وسبل التكيف معها أو بعبارة أخرى غياب الوعي الكافي لدى هؤلاء المهاجرين بالآثار السلبية للانفصال عن مجتمعات المهجر الأوروبية".

وهناك بعض الاجتهادات التي نجحت، إلى حد بعيد، في الربط بين متطلبات الاندماج الثقافي والاجتماعي وظاهرة العولمة في قولبها المتوحش، كما نقرأ في كتاب أرمان ماتلارد "التنوع الثقافي والعولمة"، من منشورات دار الفارابي وترجمة خليل أحمد خليل. يشير محمد بنعباد في عرضه للكتاب إلى الإشكالية التي تناولها الكاتب حول "موضوع الثقافة والثقافات، والمواضيع المتصلة بها من خلال حضورها المكثف، والذي أضحى يتقدم بكيفيات مضطربة تشكو فلتانًا مفهوميًّا وانزلاقات في المعاني".

كما عقد أيضا العديد من المؤتمرات الباحثة عن مخرج من هذه الأزمة التي لا تشكل قلقا مستمرا متناميا لدى الجهات المسؤولة في الدول الحاضنة للمهاجرين، بل عدم استقرار لهؤلاء الآخرين أيضا، من بينها مؤتمر "التواصل والحوار"، الذي انطلقت أعماله في مدينة ستوكهولم تحت عنوان "نحو تفاهم عالمي يحترم الحرية والرموز والمقدسات الدينية".

لكنَّ الأمر الذي يُؤْسَف له، أنه رغم جميع هذه المحاولات ونسبة عالية منها صادقة في مساعيها للبحث عن حل جذري فعال لهذه المشكلة التي باتت تؤرق المجتمع الدولي، لما لها من تداعيات سلبية على دول وشعوب العالم، لم تنجح في الوصول إلى المعادلة الصحيحة التي تنظم العلاقة بين المهاجرين والمجتمع الذي يستقبلهم، وهو الأمر الذي لا يزال يثير العديد من القلق بسبب تردي أوضاع المهاجرين من جهة، وفشل المجتمعات التي يفترض أنها رحبت بهم في استقطابهم من جهة ثانية.

المسألة الأكثر أهمية هي تلك التي تثيرها مسألة الاندماج الثقافي والاجتماعي بالنسبة للمواطن الخليجي. ففي الخليج، هناك مشكلة تكاد تكون فريدة من نوعها، إذا استثنينا دولا مثل الولايات المتحدة وأستراليا. تتفرد المجتمعات الخليجية فيما يتعلق بالاندماج الثقافي بثلاث مسائل رئيسية: الأولى منهما هو أن المهاجرين إلى دول الخليج، حتى عندما نستثني منهم المهاجرين العرب، الذي لا يشكلون أي تحد حضاري، بفضل اللغة والخلفية الحضارية والدين، يفوقون في عددهم عدد السكان الأصليين؛ الأمر الذي يُشكِّل تهديدا حقيقيا في المستقبل المنظور، ليس على المستوى الثقافي فحسب، وإنما على الصعيد الأمني أيضا.

المسألة الثانية وهي الأشد خطورة عندما يتعلق الأمر بالتنوع الحضاري في الخليج العربي هو تداخل العوامل الدولية بدرجة أشد من أي مجتمع آخر. فهناك النفط، بقيمته الدولية الاقتصادية وليس بمردوده المالي النقدي؛ الأمر الذي من شأنه تدخل قوى خارجية لها مصلحة مباشرة في الاستفادة من هذه النسبة العالية من المهاجرين إلى دول الخليج العربي النفطية، واستغلالها في تنفيذ مشروعاتها الهادفة لإحكام قبضتها على مقدرات هذه المنطقة. هذا يحول هؤلاء المهاجرين، دون وعي من نسبة عالية فيهم، من مجرد باحثين عن مصدر رزق إلى طابور خامس لتلك الدول الأجنبية الطامعة في ثروات الخليج العرب النفطية.

المسألة الثالثة: هو الجار القريب إيران، التي مهما حاول الخليجيون العرب القفز فوق الخلافات العرقية معها، لكنها بفضل مساحتها الجغرافية الكبيرة، وكتلتها السكانية المتفوقة عدديا على دول الخليج العربي، وموقعها الجغرافي الإستراتيجي، لا تستطيع، موضوعيا، أن تضع أطماعها التوسعية تجاه تلك الدول جانبا.