البحث عن "مهاتير" في السلطنة!

 

 

هلال الزَّيدي

في الوقت الذي نَحْتَاج فيه إلى من يُقيِّم مَسَارنا، فإنَّ هناك من يتجاهل "التغذية الراجعة" من ذلك التقييم؛ وبالتالي نقوم بالبحث في روزنامة الدول التي نجحت بإصرارها وشفافيتها وإستراتيجياتها الاقتصادية بعيدة المدى، فيأتينا الحل ويضع ذلك الأسطورة يده على الجرح، إلا أننا نلوذ بالفرار من مواجهة الموقف ونعيد الكرة تلو الأخرى لإعادة محركات البحث ووضع الدراسات تحت مسميات عدة، وهذا يدل على عدم اعترافنا بأنَّ هناك إخفاقا أصلا، ليبدو المشهد "مرقَّعا" غير مكتمل ولا يوحي بشيء على مداه القصير والطويل.

التشخيص الاقتصادي لوضعنا يلتف على المشكلة ويفرّع عنفوانها، وبالتالي نتجاهل الحلول التي تحتاج إلى قوة "قرار" لا يقبل التسويف أو النظر من زاوية المصلحة الذاتية. ومن هنا، تأتي الأصوات وترتفع العبارات بأننا نجامل أنفسنا، بينما نحن ندور في حلقة مفرغة لنبحث عن "مهاتير" ينطلق من بيننا ويعطينا "العصا السحرية" التي تحتاج إلى تضحية خاصة من قبل بعض المسؤولين.

ليست القضية في استقطاب مهاتير لتنتهي الأزمة، وإنما نحتاج لمن يوظف تلك التجارب التي خدش بها حياء وجوهنا، وأزاح عنا وقر آذاننا، فربما ما جاء به لم يعد جديدا علينا، فكم من شخص تحدث به؟ وكم من فكر بحث وتعمق فيه؟ إلا أن آلية تنفيذ تلك الأطروحات إلى واقع يحتاج إلى "اعتراف" وتحديد ماذا نريد؟ هل نريد حلا جوهريا ينتشلنا من اقتصاد بلا هوية إلى اقتصاد يقود البلاد إلى بر الأمان؟ أم هل نريد فقط أن نصفّد الأوراق فتبقى رهينة محبسها؟ إذاً لنعترف حتى تعلو هممنا ويستقيم العود.

إنَّ ما قاله مهاتير وشخَّصه في جملة حديثه هو من البديهيات، لأنه تلمَّس ما يدور حوله، فوجد الطبيعة بشطآنها، والأمن والأمان بعنفوانه، وأكد على أن بلدنا سياحي من الدرجة الأولى، وهو الوجهة الاستثمارية التي تعزز من مسار الاقتصاد، لكن كيف يمكن استثمار هذه الأصول؟ وهناك من يباح له أن يتملك مئات الآلاف من الهكتارات دون أن يُسهم في استثمارها لمصلحة البلد؟ كما أن هذا "الأسطورة الاقتصادية" أشار إلى مسألة مهمة وهي "التعليم"، لأنه أصل عميق في فوائدة، والسؤال الذي يطرح نفسه: كم من أكاديمي وخبير أشار إلى أننا نحتاج إلى تصحيح مسيرة التعليم لدينا؟ لتتوافق مع متطلباتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أن المسؤولين جعلوا لهم أذنا من طين وأخرى من عجين.

إنَّ الضميرَ الإنسانيَّ "الحي" هو من يُوجِّه تلك المتطلبات إلى واقع عملي، إلا أننا لا يمكن أن نباهي بأننا نملك ضمائر حية تتقن حب الوطن، وما نراه هو نوع من التزلف؛ فدائما ما نضع الوطنية الغلاف لكل ما نقوم به دون أن تثمر تلك الولاءات، وفي الحقيقة ما هي إلا ولاءات لشخوص فقط نحقق عبرها مكاسب وقتية.

عندما نسمِّي الأسماء بمسمياتها، فإنَّنا نستطيع البدء في الدخول إلى معترك الفجوة التي تسببنا فيها أو تسبب فيها أولئك الذين تملَّكوا كل شيء، ومهاتير في أطروحاته لا يعتبر "ملاكا" وإنما هو "إنسان" بضمير وطني أراد لبلاده الرقي، فوجد الأيادي تلتف حوله لا ضده؛ لذلك حرث الأرض حتى يقضي على "البطالة"، ونحن ومع ازدياد أعداد الباحثين عن العمل، لم نرهق أنفسنا بالتفكير، وإنما دفعنا بهم إلى البطالة المقنعة التي أنتجت ترهُّلا لا ينتج شيئا، وإنما يشكل عبئا على الموازنات العامة، فهنا لم نضع حلا وإنما دفعنا بمشكلة أخرى وتوسعت الهوة التي ستكون وبالا كبيرا على الأجيال القادمة.

... إنَّ البحثَ عن مهاتير يزيدنا تعقيدا ولا يساعد على فتح الصمامات المغلقة؛ لأننا نتجاهل "جوهر القضية" فكل ما قاله لم يكن تنظيرا وإنما باح به عن تجربة؛ لذلك انقسمنا فمِنَّا من قال بأننا نسير في المسار الصحيح، ومنا من قال ليست العبرة في "كلام" مهاتير، وإنما العبرة في تنفيذ ما يناسبنا وفق معطيات مجتمعنا حتى ينفَذُ "تنفيذ" إلى واقعنا، ونبتعد عن مسألة التلاسن حول ما قاله: هل هو صحيح أم أنه كلام معاد؟ فمنا من يدحض ومنا من يؤكد، ومنا من يشاهد ومنا من أغلق عينيه لينام.

----------------------------------

همسة:

بصراحة تامة: نحن بحاجة لإتاحة الفرصة للشباب كي يضعوا بصماتهم ويقرأوا واقعهم، إذاً نحتاج إلى اعتراف من قبل المسؤول بأنه ليس عمود المرحلة؛ وبالتالي نخفف من الإغراق في البحث عن "مهاتير" عُماني.

 

abuzaidi2007@hotmail.com

كاتبٌ وإعلامي