تحية للذاكرين الشاكرين

 

المعتصم البوسعيدي

يُخلدُ التاريخُ المارِّين على دربه والتاركين به أثر، من يداعبون الزهر ويناجون القمر، من يُمسكون خيوط العطاء؛ ثم إنهم نبع صفاءً وتدفق نهر، قد لا نراهم إلا والغياب يروي حضورهم؛ فيأتي الرواة فرادى وجماعات يحكون قصصهم العظيمة "كان يا ما كان"، والمستمعون "يا ليت شعري".. أين اليوم هم؟!

يتسلل التقصير إلى حياتنا بطبيعة بشرية قد لا يوجد من ورائها قصد، على أنَّ الإنسان للإنسان أكبر دافع وحافز، لا شيء أحب للنفس من ذكر المعروف والتقدير والإحترام، كم من كلمةٍ أيقظت قلوبا يائسة، وأرواحًا كانت تظن أنَّها من حسابات الشكر متساقطة، والعمر يمضي وثمة أناس كانوا ينتظرون فعلا أو ردة فعل؛ لكنما كما "لا يضير الشاة سلخها بعد موتها"؛ فإنَّ الشكر منقوص لمن سكن الثرى وحمل الحسرات في فؤاده وهو بين الأحياء حتى الرمق الأخير.

 ثلاثة مشاهد قادتني لهذه السطور، ثلاثةٌ بقدر الوجع الذي تحمله من جانب معين بقدر السعادة التي تنثرها في جانب آخر؛ أول هذه المشاهد رحيل قيمة رياضية بحجم سالم بهوان -رحمة الله عليه- حينها تذكرنا كل شيء تقريبًا: كرسيه على المنصة، دعوته للنبض الواحد، فرحه بالأخضر والأحمر، وابتسامته بين اللاعبين. الآن وقد رحل دون عودة، نستذكر ونقول له دون أن يسمعنا: "شكرًا أبو حمد".

 ثاني المشاهد -للأسف- جاء نتيجة رحيل أيضًا، ربما انتبه القليل له وهو على فراش المرض، لكننا استجمعنا كلَّ الحروف بعد رحيله؛ إنَّه الرمز الظفاري الشيخ أحمد الرواس -رحمه الله- الرئيس الذهبي لزعيم الأندية العُمانية. الآن، يُمكن أن نقول "المعلقات" على جدار الرياضة فخرًا ورثاءً وتمجيدا، "ونسمع بها من كان به صمم"!! إلا هو، لن يسمع -ربما- ما كان يحب سماعه في حياته؛ فالخط الفاصل أكبر من أن يخترقه صوتنا!

المشهد الثالث مُختلف عن سابقيه، مشهد فَتَح صندوق الذكريات، وأعاد الماضي إلينا، وقدم -هذه المرة- كلمات الشكر والتقدير للأحياء، برنامج "في ضيافة نجم" على القناة الرياضية العُمانية، جاء كعربة الأمل التي لم يجدها الشاعر عبدالرزاق الربيعي عند مفترق نهر الحياة "عند مفترق نهر الحياة/وجدت امرأة/ تبيع الزهور الحجرية/ في عربة آيلة للهواء/ سألتها: بكم تبيعين الأمل/ أجابت: لعلك تجد هذه البضاعة في عربة أخرى/ أين تقف عند مفترق نهر الموت..)، وحتى لا يكون الغياب -لاحقًا- سببَ كلماتي عن هذا البرنامج، أحبُّ نقل شكري لطاقم هذا العمل الجميل الذي لم يكن مبتكرًا، لكنَّه صَنَع الفرح، ووجَّه "تحيَّة الذاكرين الشاكرين" لحاملي شعار "الخنجر والسفين" نجوم الزمن الجميل؛ ذاك الزمن البسيط ببياضه الخالي من "الرتوش" والضجيج، متمنيًا أنْ يمتد البرنامج لنجوم الرياضة العمانية في كل الألعاب ومع الشخصيات الإدارية والإعلامية بمختلف منصاتها، إضافة لنجوم الجماهير من على المدرجات.

ختامًا.. أودُّ تَرْك سطور فارغة لمن يهمه الأمر؛ عن مدى حاجتنا للوقوف مع نجوم الرياضة العُمانية، واستذكار ما قدَّموه، وتقديم الشكر لهم في حياتهم ولو ببضع كلمات، ولمن ذكر وشكر -أيضًا- تحيةً خالصة، "وكثر الله أمثالكم"، ولا ننسى "أن شكر الناس من شكر رب الناس".