عبيدلي العبيدلي
فيما تتفاقم الصراعات المسلحة في البلاد العربية، ويتسع نطاقها، حتى بات من الصعوبة بمكان تصور هذه المنطقة تنعم بالأمن والاستقرار. وليس هناك ما يدعو للغوص عميقا في أحداث تاريخ المنطقة كي نكتشف مثل هذه الحقيقة المؤلمة التي ما تزال أحداثها تعصف بأية مساع للسلام من شأنها أن تعيد للمنطقة ما تحتاجه كي تضع خطط نموها وتقدمها قبل أن تنفذها، إذ يمكن الاكتفاء بالعودة إلى العام 1975، عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، ثم انتشرت شرارتها، ولم تتوقف نيرانها حتى يومنا هذا، بل هي مؤهلة للمزيد من الانتشار على المستوى الجغرافي، وازدياد حدتها على المستوى النوعي، حتى تحول الشرق الأوسط إلى ما يشبه المعمل الحي المتواصل لتجارب السلاح، ومركزًا لأبحاث تأثيراتها المباشرة، وغير المباشرة على الصعد الأخرى، من اجتماعية وسياسية، بما فيها انتشار المجاعات التي تولدها الحروب الإقليمية، أو الصراعات الداخلية، وكلاهما يجد هذه المنطقة مرتعا خصبا له. وتعتبر المجاعات من أكثر النتائج المباشرة لمثل تلك الصراعات، وأشدها سرعة من حيث الولادة، والقدرة على الاستمرار والتوسع.
هذ ما أشار له تقرير كشف عنه يوم الخميس الماضي 21 أبريل 2017، رئيس البنك الدولي "جيم يونج كيم"، عندما حذر من أنّ " نظام الإغاثة العالمي يقف عاجزًا أمام مواجهة المجاعات التي تهدد الآن ملايين البشر في إفريقيا والشرق الأوسط بسبب الجفاف والصراعات المسلحة، (مشددا على أن) الجفاف في شرق إفريقيا جعل أكثر من 6 ملايين شخص يواجهون نقصا في الإمدادات الغذائية في الصومال وملايين آخرين في إثيوبيا وكينيا وأوغندا".
خطورة مثل هذه التحذيرات، من احتمالات تعرض بلدان العالم إلى مجاعات، والتي تأتي على لسان مسؤولين من أمثال جيم يونج كيم، منوهين إلى أنّ المجاعات باتت ظاهرة تهدد مستقبل البشرية، أمر نبهت إليه دراسة أمريكية، حين نوهت إلى "ازدياد حاجة العالم إلى الغذاء بنسبة 50% مع حلول عام 2050، بسبب زيادة أعداد سكان الكرة الأرضية الذين من المتوقع أن تصل الزيادة في أعدادهم لـ 4 مليارات نسمة".
وترجع الدراسة أسباب هذه الظاهرة إلى عوامل طبيعية بقولها إنّ "الموارد الغذائية لن تكفي هذا العدد الهائل من البشر، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتلوث الأوزون، وعليه، يمكن أن تزداد معدلات سوء التغذية في العالم النامي بنسبة تزيد عن النسبة الحالية من 18% إلى 27% خلال العقود الأربعة القادمة"، دون أن تشير إلى أنّ تلك العوامل الطارئة التي لا تعتبر الطبيعة، وإنما الإنسان هو المسؤول المباشر عنها وفي مقدمتها الحروب التي تستنزف الموارد، وتوقف عملية التطور، وتشل طاقات المجتمعات التي تتعرض لها.
هذا أيضا ما يكشف عنه تقرير أعد بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، يؤكد على "النزاعات الدامية والظروف المناخية والارتفاع الحاد في أسعار بعض المواد الغذائية، ساهم العام الماضي في ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في العالم إلى 108 ملايين شخص".
فهناك دراسات موثقة تؤكد أنّه "في القرن العشرين مات ما يقرب من 70 مليون شخص جوعاً بسبب المجاعات من مختلف أنحاء العالم، وتختلف أسباب حدوث المجاعات، فأحياناً تكون كوارث طبيعية، وأحياناً أخرى تحدث بسبب ظروف سياسية كنظام مستبد أو حرب أهلية.. إلخ، وهذا هو الوجه الأبشع على الإطلاق".
عليه، هناك ما يشبه الإجماع على أن تلك المجاعات ليست من صنع الطبيعة وحسب، وإنما هي محصلة منطقية للكوارث الطبيعية والحروب البشرية على حد سواء. وهذا ما يجعل تعريف المجاعات أمرا صعبا، فرغم معاناة المجتمع الدولي من المجاعات، فليس هناك ليس هناك "تعريف محدد ومتفق عليه للمجاعة". وقد اجتهد خبراء الأمم المتحدة كي يتوصلوا إلى وضع عدد "من الشروط التي يجب توفرها في منطقة ما قبل الإعلان عن وجود حالة مجاعة فيها".
وحدد هؤلاء الشروط على النحو التالي: "أن تواجه 20% من الأسر على الأقل نقصا شديدا في الغذاء مع قدرة محدودة على التعامل الأزمة، وأن يتجاوز مدى انتشار سوء التغذية الحاد أكثر من 30%، وأن يتجاوز معدل الوفيات يوميا حالتي وفاة من كل عشرة آلاف شخص."
بطبيعة الحال، وكما تثبت أحداث العالم "لا تنحصر المجاعات بزمنٍ أو مكان معيّنين، فكل الأزمنة، والأماكن مُعرّضةٌ لحدوث هذه الكارثة الإنسانية" .هكذا، وكما تكشف العديد من الدراسات المهتمة بظاهرة المجاعات، "تنتشر خريطة الجوع في بقاع كثيرة من العالم، ولا يجد نحو 795 مليون إنسان في العالم - من مختلف الأعمار والأجناس- ما يكفي من الطعام للتمتع بحياة صحية نشطة، وغالبية هذا العدد هم من ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، والفقراء المهمّشين الذين يسكنون العشوائيات والضواحي، والمرضى واليتامى خصوصا من الأطفال والنساء وسكان المجتمعات الريفية".
الملفت للنظر، أنّ الإنسان ذاته بقدر ما يبذل قصارى جهده للحد من تأثيرات العوامل الطبيعية التي تفرز المجاعات، مثل الفيضانات والعواصف الهوداء، والزيادة في عدد السكان، نراه، بالمقابل لا يتردد في شن المزيد من الحروب، وإشعال الكثير من الصدامات المسلحة التي تفوق في عددها، وتكرارها، والنتائج التي تفرزها، بما فيها المجاعات، تلك التي تكون من نتائج العوامل الطبيعية.
باختصار جشع الإنسان، وشهواته العدوانية هي التي تقف وراء المجاعات التي نعيشها أو تلك التي نتوقعها، ومن ثم فالإنسان ذاته هو من يهدد مستقبل البشرية، جراء تلك الحروب.