قراءة في واقع العرب والمسلمين في الغرب

 

د. يحيى أبو زكريا

 

 مسلمون ضدّ الإسلام في الغرب!



عندما يشرّح الباحث مفردات الخطاب العربي والإسلامي يجد أنّ هذا الخطاب في معظم أبعاده يحمّل الآخر وتحديدا الغرب والحركة الصهيونية وغيرهما مسؤولية تراجعنا الحضاري.
ولعلّي أتفق مع الأستاذ مالك بن نبي الذي يرى أنّ العوامل الداخلية هي التي أجهضت نهضتنا وأنّ العوامل الخارجيّة استثمرت هذه العوامل الداخلية واستغلتها لصالحها.
وقد حضرت ذات يوم محاضرة دينية في مسجد يقع في دولة غربية وكان المحاضر قادما من العالم الإسلامي ولم يحمّل نفسه عناء قراءة الواقع الذي جاء إليه ليدعو الناس فيه إلى الطريق القويم، وتعامل مع الواقع كما لو أنّه يقع في الجغرافيا العربية أو الإسلامية، ومما قاله هذا المحاضر بالحرف الواحد وبدون نقيصة من كلامه:
(أيّها المسلمون المقيمون في الغرب احذروا الكفّار الذين تعيشون بين ظهرانيهم، فهم يسعون لإخراجكم من النور إلى الظلمات، ولن يهنأ لهم بال حتى يحيلونكم إلى كفرة!!!)
وباعتباري لا أحب الدجل الفكري، فقد قطعت محاضرته وقلت له:
يا فضيلة الشيخ قبل أن تصدر هذا الحكم اسأل كل جمهرة المسلمين الحاضرين هنا من يعيلهم؟! من يقدم لهم رواتب شهرية تجعلهم أحسن من وزراء بلادهم؟ من أعطاهم بيوتات تقيهم البرد والحرّ ودون أن يدفعوا دولارا واحدا كإيجار؟ من يطببهم مجانا؟ من يصلّح أسنانهم إذا تسوسّت؟ من يعطي رواتب لهم ولأولادهم وبشكل شهري ودائم؟
وأخذت أعددّ الحسنات والخدمات التي تقدّمها مؤسسات الرعاية الاجتماعية في كثير من الدول الغربية وتحديدا في دول شمال العالم للعرب والمسلمين، ثمّ قلت له يا فضيلة الأستاذ من المسلم: نحن أو الفرنجة؟ هل رأيت مسلما لا ينتج لقمته ولا ينتج ثقافته ولا دواءه؛ فمثلما تعيش دولنا الإسلامية شحاذة وتقتات من مساعدات البنوك الغربية فإنّ أغلب المسلمين في الغرب يعيشون بفضل المساعدات الاجتماعية، ولعلمك يا جناب الشيخ فإنّ هذه المساعدات تجبيها مصلحة الضرائب من المقتدرين ماديّا من العمال والموظفين الغربيين الذين يدفعون الضرائب، والذي يذهب جزء منها إلى مساعدة كل هؤلاء الحضور بين يديك من المسلمين.
ثمّ قلت له: تتهم الفرنجة بالكفر فأنّا سأصحبك في جولة في هذه المدينة الغربيّة التي أنت فيها؛ ستجد أنّ كثيرا من الحانات والمراقص يملكها مسلمون، وكثيرا من محلات الخمور والمجلات الخلاعية وبيع لحوم الخنزير يملكها مسلمون. بالإضافة إلى ذلك فقد علّمنا هؤلاء الغربيين الكذب والدجل وتحايلنا عليهم وضحكنا على كل مؤسساتهم؛ والملفات ثقيلة لا يمكن فتحها دفعة واحدة، وهنا قال لي المحاضر: (أعتذر لتسرّعي في الحكم وأتمنى أن تكمل المحاضرة نيابة عني).
ما دفعني إلى هذه المقدمة هو حجم الاستهانة بقيم الإسلام من قبل المسلمين أنفسهم في الغرب، إلى درجة أنّ الإنسان الغربي والمؤسسات الغربية باتت لا تفرّق بين المسلم الملتزم بقيم دينه والمسلم الذي ينتمي إلى الإسلام شكلا ويتجافى عنه سلوكا وأخلاقا.
وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ شرطيا سويديّا أوقف في يوم من الأيام سائقا مسلما لإجراء فحص التأكد من عدم شربه للخمر وهو يسوق سيارته، فقال هذا السائق المسلم للشرطي السويد: أنا مسلم، فأجابه الشرطي: "لقد قالها غيرك كثير قبل هذا وكانت بطونهم ملأى بمختلف أنواع الخمور".
لقد أساء بعض المسلمين في الغرب إلى دينهم أكثر مما أساءت إليه المنظمات المتخصصّة في نحر الإسلام، على اعتبار أنّ أهداف هذه المنظمات واضحة ومكشوفة، لكن المسلم عندما يقترف جناية في الغرب تنسب رأسًا إلى الإسلام، ويعتبرها الإنسان الغربي جزءًا من تعاليم الإسلام، والمستشرقون الذين تركوا انطباعا خاطئا عن الإسلام في الذهنية الغربية. فجاء الكثير من المسلمين إلى الغرب وأكدوا هذا الانطباع باعتبار أنّ سيرة المسلم تحسب على الإسلام؛ لأنّ الإنسان الغربي ليس فقيها في كليات وجزئيات الثقافة الفقهية الإسلاميّة.
ويتباهى بعض المسلمين في الغرب فيما بينهم وعندما يلتقون عن عدد القاصرات اللائي صرن ثيّبات بفضلهم وربمّا لأجل ذلك قام موقع إلكتروني سويدي موالي لجهة سياسية سويدية معادية للمهاجرين بمطالبة السلطات بطرد الذين جاءوا لاغتصاب نسوة السويد، وقد حزّ في قلبي أن أسمع هذا التباهي من شباب ينتمون إلى دولة يصول فيها شارون ويجول بإجرامه، كما حزّ في قلبي أنّ أشاهد بأم عيني أنّ معظم المتورطين في تجارة المخدرات ونشرها ينتمون إلى إقليم إسلامي يحترق، بل إنّ بعض الشباب والكهول في أكثر من عاصمة غربية جرى اعتقالهم بتهمة اغتصاب مراهقات وأطفال صغار في بعض الأحيان. هذا غير الضحك على الدول الغربية بأساليب مخجلة، فربّ مسلم اقترض من بنك غربي مبلغا خياليا لاستثماره في مشروع تجاري اختلس هذا المبلغ وأودعه في بنك خاص في وطنه العربي وبعد ذلك أعلن إفلاسه، وهذه الأمور ليست خاصة بل صارت عامة وفاحت رائحتها النتنة، والعجيب أنّ الذين يعلنون إفلاسهم زورا وبهتانا، يعيدون فتح نفس المشاريع بأسماء زوجاتهم وأقاربهم باعتبار أنّ هذه الأسماء غير ملوثّة بعد.
وقد نشبت الصراعات حتى في المساجد بين مسيريها والمُرتزقين منها، حتى تدخلت الشرطة الغربية في أكثر من مسجد بعد أن تبادل مسيّرو هذا المسجد التهديدات؛ الأمر الذي تطلبّ إحضار الشرطة لفك الخصام، وقد كنت على رأس لجنة وساطة في مسجد من هذه المساجد والتي رغم تدخل الوجهاء فإنّ الخلافات لم تنته، وكم كان بليغا وفصيحا ذلك القاضي السويدي الذي قال للمختلفين: شئتم أو أبيتم عليكم أن تتفقوا لأنّكم يجب أن تلتقوا في بيت الله بمحبة ومودة.
ولو وسعتنا هذه العجالة لذكرنا قصصا يشيب لها الولدان؛ ولكن بعدها ألا يحق لنا أن نوجّه أصابع الاتهام إلى المسلمين الذين جنوا على إسلامهم وحضارتهم.
ومن الكافر يا ترى! الذي يسعف مستضعفًا فيعطيه راتبًا وطبابة وبيتا وأمنًا وجواز سفر وبطاقة بنكية، أم ذاك الذي يكذب ويسرق ويختلس ويغتصب ثمّ يقول زيفا: أشهد أنّ لا إله إلاّ الله؟