مناطق الألعاب الغائبة في المخططات السكنية

 

زينب الغريبية

 

يعد اللعب من حقوق الطفل المكفولة له قانونا، واللعب ضروري للطفل كحاجته للغذاء والأمان، فهو يحتاج للعب كي ينمو متكاملا متوازنا، فجاء في قانون الطفل العماني الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014) في الفصل السادس للحقوق الثقافية للطفل في المادة (42) :"لكل طفل الحق في الراحة ووقت الفراغ ومزاولة الألعاب والاستمتاع والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية .وتعمل الدولة على تعزيز هذا الحق وممارسة الطفل له بحرية، وتشجيع توفير فرص ملائمة ومتساوية لممارسة الأنشطة المشار إليها في الفقرة السابقة" . ولكن هل هذه المادة من القانون مُفعلة ومعمول بها على أرض الواقع؟ وهل تتوفر للأطفال الألعاب في كل مكان يوجد به تجمع من السكان يكفي لإقامة مكان للأطفال للعب؟ وهل يعتبر هذا من ضمن الضروريات في الخطط التنموية للبنية الأساسية وتخطيط التجمعات السكنية؟ وهل يعد هذا المجال من ضمن المواضيع التي تهم الأهالي حين يجمعون التبرعات من أجل مشاريع هم يحتاجون إلى إقامتها لضرورتها في أحيائهم وقراهم؟ فمن يهتم لهذا الموضوع؟ ومن المسؤول عنه؟

قد يرى البعض أنّ طرق هذا الموضوع لا يستحق الالتفات له، فهناك مشاريع أهم يحتاجها السكان من أماكن ألعاب الأطفال، وحين نأتي إلى أرض الواقع، نرى الأطفال في القرى والمدن بعد عودتهم من المدارس، ينكبون على الأجهزة الإلكترونية، أو على شاشات التلفازات يقلبونها ما بين قنوات الصغار والكبار يلفون على ما لذّ وطاب لمن يعرضون ما يشاؤون عليها، أو يقومون بالعراك والشجار في المنزل نتيجة الفراغ وطاقة الطفل المكبوتة، وفي حالات أخرى يخرجون في (الحارة) في أماكن قد لا تكون مرئية للكبار، وقد تفسد سلوكيات الأطفال ببعدهم عن الرقابة.

الحل هو في إيجاد بيئة سليمة، يوجد فيها ما يلزم هؤلاء الأطفال، لجميع المراحل العمرية، وتناسب أذواق الذكور والإناث، في كل تجمع سكني (حارة، قرية، حي في مدينة) يلزم وجود مكان به ملاعب واسعة لرياضات متنوعة كرة (القرم، السلة، الطاولة، اليد)، والسباحة، وألعاب الأطفال الصغار الحركية الشائعة المعروفة، إضافة إلى أماكن السباحة، واللعب بالرمل، وأماكن للبنات اليافعات والأكبر قليلا؛ فهنّ لهن الحق أيضًا في الترفيه واللعب وقضاء وقت فراغ بشكل مفيد واجتماعي، والأمهات يجدن مكانا يجلسن فيه مع أبنائهن في مكان متعارف عليه وعام، يحقق لهن تغيير جو البيت، وتلبية حاجات أبنائهن بطرق مفيدة أمام أعينهن، بما يحقق لهم الأمان.

كل هذا من المسؤول عنه؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ كان من الأحرى أن تقوم الجهة المسؤولة وهي وزارة التنمية الاجتماعية بمتابعة تنفيذ هذا الحق للأطفال، بالشراكة مع وزارة الإسكان والبلديات، وذلك لتحديد الأماكن المناسبة لتلك المنشآت، ثم متابعة تنفيذها وصيانتها، كما أنّ المجالس البلدية الحالية لابد لها من الاهتمام بهذه القضية لأهميّتها؛ هذا من الناحية الرسمية، كما أنّ المهمة لا يستبعد منها المجتمع، فهو المسؤول عن قضية كهذه، فهل سمعنا يوما ما من يطالب بأماكن كهذه للأطفال، أم من يسعى لإنشائها؟ أم أحد يجمع التبرعات لإقامة أماكن لألعاب الأطفال؟ أم رجل أعمال تبرع أو حتى استثمر في ألعاب الأطفال في تجمع سكني ناءٍ أم مدني؟

تقع المسؤولية على عاتق الجميع، فلا نفكر بنظرة أحادية، فقد تجمع التبرعات من سكان تجمع سكني معين لبناء ثلاثة مساجد في ذلك التجمع، في حين لو وُزعت تلك الأراضي الثلاث وقُسمت الأموال المُجمّعة لإنشاء مسجد واحد ومكان للترفيه واللعب الذي يقي أبناءنا مخاطر كثيرة، ومرفق ثالث مهم للمجتمع لتنمية الشباب أو لتجمع كبار السن وممارسة أنشطة تضفي الفائدة والمتعة عليهم ثمّ الصحة النفسية، إذن ينقصنا أيضا وعي المجتمع وتوجيه الموارد المتاحة في وجهاتها الصحيحة، قبل البدء في عمليات إلقاء التهم، وإخلاء الطرف من تحمّل المسؤولية.

حق اللعب والترفيه، حق مشروع، وضرورة قصوى، تبعد الأطفال عن المسالك الخاطئة في أوقات الفراغ، والمقصود بالأطفال هنا من سن السنة الواحدة أو حتى قبل ذلك، إلى سن الـ18 سنة، توفير أماكن لهم يفرغون طاقاتهم فيها برياضات وألعاب تناسب قدراتهم ومواهبهم وتوجهاتهم، في أماكن مخصصة تلبي لهم ذلك، أماكن مفتوحة يستنشقون فيها الهواء الطلق أمام مرأى الجميع، فلا تستهينوا بالموضوع، فهو يقي أبناءنا من مخاطر ما يحمله الإنترنت والقنوات الفضائية، وما يحمله الزمن من دسائس في قلوب المغرضين، فتوجيه الطاقات بالأسلوب الصحي الصحيح، هو الطريق الوحيد للأخذ بأيدي الأجيال، وتربيتهم في جو من النقاء والممارسات العملية المفيدة؛ هذا لنرتقي بمجتمعاتنا، ونصعد بها، بأن نقدم الصغيرة على الكبيرة في ما يخدم أجيالنا ويرتقي بها.