قضايا هتك العرض.. الدوافع والحلول

 

سيف المعمري

 

أستوقفني حوار لصحفي في أحد الصحف المحلية الشهر الماضي، مع رئيس ادعاء عام رحمة بنت سالم الوهيبية مديرة إدارة الادعاء العام لقضايا الأحداث، والتي أكدت "أن قضايا هتك العرض تبدأ في المدرسة ويتم اكتشافها لاحقا، داعية إلى ضرورة تشديد الرقابة في المدارس لتنجب انتشار هذه السلوكيات التي يصل بعضها إلى أروقة الادعاء العام". وقد شخّصت مديرة إدارة الادعاء العام لقضايا الأحداث مسببات تلك القضايا ومنشأها الفعلي، وبالإمكان الوقاية منها قبل الوصول إلى مرحلة العلاج، والتي تتعلق بالأسرة والوضع الاقتصادي والاجتماعي للوالدين، بالإضافة إلى التغيرات التي طرأت على الأنماط الحياتية للمجتمع، والتكنولوجيا وما حدثته من تدفق للكثير من الأفكار والأنماط السلوكية الدخيلة على المجتمع ونحو ذلك.  

وإن تأكد لدى الادعاء العام إنّ قضايا هتك العرض تبدأ في المدرسة، فإن ذلك ينذر بناقوس خطر لجميع المؤسسات المعنية بالأحداث وأولها المؤسسة الأولى وهي الأسرة، فمسؤولية الأسرة كبيرة جداً، إذ أنّها خط الدفاع الأول للطفل، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ"، بل إن التربية الأسرية أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وبطبيعة الحال تتعدى مسؤوليتها توفير الاحتياجات المنزلية من مأكل ومشرب ومسكن، إلى التهذيب والتربية على الأخلاق الفاضلة، وتعزيز ثقافة الحوار الأسري، وحل المشكلات الأسرية بمنهجية علمية، وتعميق قيم الصدق وتحمل المسؤولية، وإنّ على الوالدين وفي ظل المستوى التعليمي الذي وصلا إليه كلا منهما، أن يكونا على دراية بتحديات العصر التي فرضتها التطورات التقنية وشبكات الاتصالات، وإن لا يلقيا عبء التربية وتهذيب أبنائهم على المدرسة، فإن كان الوالدان أحدهما أو كلاهما يستثقل مسؤولية التربية وكلفتها الزمنية والمالية على أبنائه، فمن باب أولى ألا يلقى باللوم على المجتمع، أو على المدرسة، فالمعلم لديه عشرات بل مئات الطلاب، ولن يكون رقيبا وناصحا وموجها لكل سلوك غير مرغوب فيها لمئات الطلاب في نفس اللحظة، فبإمكان الأسرة ومهما اتسعت دائرتها ومسؤوليتها أن تحصن أبناءها من كل المخاطر والعلل التي يعاني منها المجتمع، وتعويد الأبناء على الرقابة الذاتية مع عدم الأغفال عن رقابة الوالدين، ومتابعة أي تغيرات أو ملامح سلوكية قد تطرأ عليهم قبل وبعد الدخول إلى المنزل، والعودة من أماكن التجمعات، وغرس الوازع الديني والأخلاقي، وأشعارهم بما يحيط بهم، وتهيئتهم لمخالطة الآخرين سواء كانوا داخل المجتمع أو في المدرسة أو النادي أو أي مكان آخر، وكل أمر تستطيع الأسرة القيام به لتربية أبنائها، فلا يجب أن تعفي نفسها من مسؤوليته، وتضعه تحت رحمة الآخرين، أيا كانت مواقعهم ومسؤولياتهم، على أن المجتمع لم يعد كما كان في الماضي متحملا للتربية وتهذيب السلوك، لأسباب كثيرة لا يتسع المجال لذكرها حاليا.

كما يجب على الأسرة أن تكون على دراية بالأساليب التي تمارسها الذئاب البشرية، وتعمل على تحصين وتربية أبنائها على أساليب مواجهتها، فربما تكون أساليب الترغيب والترهيب مدخلا لانحراف سلوك الأبناء إن لم يتم تدريبهم عليها داخل الأسرة وإشعارهم بخطورتها ومبتغاها من الآخرين، كما أنّ التربية الجنسية للأبناء يجب أن يتحملها الوالدان بشكل حصري دون غيرهما، فليس هناك مصدر أوثق للمعلومة الصحيحة يستقيها الأبناء إلا من والديهما، ولو تربى الأبناء على تلك الثقة، لن تستطيع الذئاب البشرية أن تكشر عن أنيابها في حضرتهما.

ومن مشاهداتي اليومية في المجتمع، أستطيع أن أجزم أنّ قضايا هتك العرض تبدأ حقيقة في البيت وليس من المدرسة، وإن كنت لا أعفي الثانية منها، خاصة إن تخلت الأسرة عن مسؤوليتها الحقيقية في تربية أبنائها فيما سبق ذكره، فأرى الأبناء لا يسألون عن ساعات خروجهم أو عودتهم إلى البيت، تجدهم في عز الظهيرة في المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية، وفي الطرقات والحارات، وفي الليل تجدهم يتسامرون حتى ساعات الصباح الأولى، ومعظمهم تتراوح أعمارهم بين التاسعة إلى الثامنة عشرة، والأدهى من ذلك تجد من عمره التاسعة أو العاشرة يصاحب من يفوق عنه في العمر بالخمس والعشر سنوات وهكذا، يلبسون على غير ما يلبسه والديهم، ويركبون غير ما يركبه الوالدان من المركبات الفخمة، هواتفهم قيمة، ونشاطاتهم وتحركاتهم مستمرة، ولا أحد يسألهم: من أين لكم ذلك؟

أمّا عن المدرسة وهي المؤسسة التربوية الثانية فإنّ مسؤوليتها جسيمة فهي تكمل ما بدأته المؤسسة الأولى وهي الأسرة، وما فشلت فيه الأولى يجب ألا تعفي المدرسة مسؤوليتها فيه من تقويم السلوك وتهذيب أخلاق الأبناء، وإن تأكد أنّ قضايا هتك العرض تبدأ في المدرسة، فهذا محل تقدير للقائمين عليها كونهم أحكموا قبضتهم على الذئاب البشرية، التي انتهكت الأعراض، وقدسية المكان كمؤسسة تربوية، وأوجبت عليهم المساءلة القانونية.

كما إنّ مسؤولية التربويين في متابعة الطلبة في المدرسة مضاعفة فخبراتهم الواسعة وملامستهم لأطياف مختلف السلوكيات من الطلاب، وسعة أفقهم واطلاعهم وتأهيلهم المستمر، إضافة إلى تخصصاتهم العلمية والنفسية، وإلمامهم بالتغيرات الفسيولوجية لمختلف المراحل العمرية للطلبة، بالإضافة إلى رصد الظواهر السلوكية اليومية، عليهم مسؤولية غرس قيم الحوار وتحمل المسؤولية وتوعيتهم بالأنظمة والقوانين والأنظمة، وغرس قيم الوازع الديني والأخلاقي في نفوسهم، مع عدم ترك مساحة لهم تعينهم على السلوكيات غير السوية، سواء كانت بالألفاظ أو الحركات، وألا تكون ممارسة الأنشطة الصفية واللاصفية ذريعة لإغفال المتابعة وتوجيه الأنظار عن الطلبة، وأن تكون المتابعة دقيقة في الغرف الصفية والأنشطة والقاعات الرياضية وفي المخيمات الكشفية داخل محيط المدرسة، وفي الحافلات المدرسية قبل الدخول للمدرسة وبعد الخروج منها، مع ضرورة توظيف التقنية الحديثة في المراقبة من خلال كاميرات المراقبة التي أصبحت ضرورة فرضتها مقتضيات العصر.

وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،

Saif5900@gmail.com