مدرين المكتومية
يقول غيلبرتهايت : "الكتب ليست أكواماً من الورق الميت، إنِّها عقول تعيش على الأرفف"، ويقول دانيال بناك: "لم يكن لديَّ الوقت للقراءة لكن شيئاً لم يمنعنِ من إنهاء رواية أحببتها، لا تخضع القراءة لتنظيم الوقت الاجتماعي بل هي كالحُب أسلوب حياة"، حين نستمع لكل هذه الكلمات عن القراءة يُخيل إلينا أنَّ الأمر أكبر مما نتوقع، وأنَّ القراءة شيء نحن ملزمون على القيام به، وعلى تعلمه وتعليمه لكل من نُصادفه، ولو فكَّرنا لوجدنا أنَّ الأمر صحيح، فلابد من أن نقوم بذلك ومن الجُرم أن نُحب شخصاً ولا نُقدِّم له كتاباً هدية، أو أن نبخل بتعليمه طقساً من طقوس القراءة اللذيذة، التي نعشقها كما نعشق الشوكولا، ونستلذها كما نتلذذ بسماع الموسيقى ومقطوعات لبيتهوفن، أو مقطع من مقاطع الفصول الأربعة لفيفالدي.
الكتابُ يعني أنَّنا لا نحتاج لأحدٍ، وأنَّ الحياة تستمر دائماً دون توقف، وأنَّ هناك مكاناً جميلاً لا يصل إليه أحد سوانا، هي تلك المسافة التي نُبحر فيها مع صفحات الكتاب، لنجد خلاله قصصا تشبهنا، أو مواضيع مرَّت على ذاكرتنا الصغيرة.. نجد أنفسنا فيها، وسُرعان ما يحزننا موقف أو قصة لأنها بالتجربة تمثل الجانب المشتعل بداخلنا والذي سرعان ما تترقرق عليه دموعنا.
حين كُنت أتمعَّن في كلمات غيلبرتهايت أو غيره ممن ينصفون الكتاب، كنت أشعر بأنَّ ما يقوله يحتاج منِّا إلى وقفة، تلك الوقفة التي تجعلنا نشعر أنَّ تلك الكومة البسيطة من الورق هي أفكار لأناس دفعوا مُقابلها أياماً وساعات بين القهوة والسجائر وبين حبات البندول والمُسكنات لألم الصداع والرأس، وبين فناجين تملأ المغسلة من فرط شرب المُنبهات، أناس كانوا يسكبون مشاعرهم بصورة رائعة ليُقدموها لنا على طبق من ذهب لنشعر بهم. فأن تكون كاتباً يعني أن تشعر بالآخرين فأنت تبحث عن بطولات كثيرة لتصنع منها أبطال رواياتك، ومن أصدقُ من كاتب يروي بكذب رائع ما يكتب، فقد قالت مستغانمي: الكاتب يعيش على حافة الحقيقة، أما المؤرخ فيسجلها كما هي، والروائي الناجح يكذب بصدق مدهش، وهو كاذب يقول الحقيقة.
أ يعقل أننا نسينا أنَّ الكتاب جزء من الحياة، ولربما هو حياة للكثيرين ممن لا يجدون في البشر من يستحق أن يُعطونه الكثير من الوقت كي لا يخذلهم، فالكتاب هو المشروع الذي لا يُمكن أن يخذلك مهما أعطيته من الوقت، فهو تلك الصفحات البيضاء المليئة بالحروف التي تحكي الكثير من التفاصيل التي تجد فيها تشابهاً بينك وبين شخصياتها، الكتاب هو الحياة التي تجعلك تعيش بحب، وتجعلك ترى العالم ببساطة، وتعلمك أنَّ الكثير من المواقف لا تحتاج لكل تلك المهاترات التي إما أن تخسر فيها من تُحب، أو أن تخسر نفسك أمام الآخرين، فلو أعطينا أنفسنا مساحة للقراءة سنكتشف أننا أكبر بكثير من أن نقف وننزعج لأشياء لا يُمكنها أن تتغير أو تتبدل، بل على العكس فلربما التسليم للأمر جزء مما قد تعلمه لنا الكثير من الكتب وبالتالي نكون قد وصلنا لمفهوم التَّصالح مع الذات الذي يجعلنا نجد في القراءة عالماً أكثر رحابة واتِّساعاً.
madreen@alroya.info