حقيقة الاستجواب!

هلال الزيدي
جاءت كلمة "استجوب" في اللغة على وزن استفعل ومادته "جوب" وقد نص معجم القاموس المحيط على: "واستجوبه استجابة واستجاب له وتجاوبوا أي: تجاوبوا بعضهم بعضا"، ووردت لفظة استجوب بمعنى رد له الجواب، والجواب عادة ما يكون رداً على دعاء أو سؤال أو دعوى أو خطاب أو رسالة أو اعتراض، واللغة بحر عميق في تعريف الكلمة، وأنا هنا لست بصدد الإبحار في سياقها، وإنما بقصد إسقاطها على وضع راهن يحاول من خلاله بعض "البرلمانيين" أن يتمددوا حسب القوانين والدساتير التي تحكم عملهم ودورهم المجتمعي في تطبيق مفاهيم دولة المؤسسات بأطرها المتعارف عليها، لذلك وعبر نافذة الاستجواب والضرورة الملحة التي تجعلنا نلجأ إليه. فمن نافلة القول علينا أن نُسلّم بماهية المصطلح لغويا واصطلاحا حتى يفهم ما يقصد منه، بهدف الابتعاد عن تأويلات خاطئه اعتبرها "المُسْتَجْوبون" ممارسة ردة فعل عكسية لبلوغ أهداف "كيدية"، لذلك كانت النتائج متوقعة في التجاوب الذي يعنيه الاستجواب في حد ذاته، فذهبت المصلحة العامة أدراجها، جراء الخوف الذي يتملك الواقع عليهم "الفعل"، وبالتالي اشتدت العقدة واستحكمت حلقاتها.
إنّ المُتمعّن في الدور البرلماني لمجلس الشورى يجد الكثير من الإيجابيات التي لم ولن تبتعد عن كونها تصريحات ومطالبات رُكنت في أرفف النسيان، حتى يتم إجهاض فكرة التغيير من أجل تعديل بعض المسارات التي ربما ستكون في فترة من الفترات أزمات يصعب حلها، وبدورها تقود إلى تصدّعات مجتمعية تؤثر على مجريات صناديق الاقتراع وحجم التمثيل الذي يتمناه المواطن من قبل ممثله لحمل صوته ورسالته إلى الجهات المختصة، لذلك يتأثر العمل البرلماني ويفقد مكانته، ويكون مؤشر الاستجابة ضعيفًا جدًا، لأنّ النتائج لا تبشر بشيء يصب في المصلحة العامة.
عندما يدعو مجلس الشورى ويجمع على تنفيذ الصلاحيات الممنوحة له بحسب المادة القانونية التي تبيح له استجواب وزير، فهي دعوة علينا أن نقف معها وعليها حتى نقيّم أنفسنا ومسارنا في خدمة المجتمع، وهي تقع في إطار "رحم الله أمرئ أهداني عيوبي"، مؤكدين على الابتعاد عن المجاملة المقيتة التي تقض مضجع التنمية الشاملة التي دعا إليها قائد هذه المسيرة، لذلك فالاستمرار في رفض الاستجوابات التي يدعوا إليها أعضاء مجلس الشورى يقودنا إلى مركزية القرار التي تُشكّل إجحافا في إعطاء الأفراد حقوقهم بحسب ما نصت عليه الشرائع، ومنها تتسع الفجوة وتتزايد وتيرة عدم الرضا في جودة الخدمة المقدمة، أو الدور المنوط بالجهات الخدمية، مما يتيح للأهواء النفسية أن تعبث بمقدرات هذا الوطن، وتتنامي الطبقية التي تولد الحنق والغضب وممارسة الردة العكسية التي تقض وحدة النسيج الاجتماعي.
ما نتمناه هو أن يتحلى الوزير بالحكمة والحنكة والشجاعة في مواجهة مثل هذه الطلبات، ويفك العقدة التي تجعله يعيش في منظومة "الأنا" وبالتالي يتزايد لديه شعور بأنّه "معصوم" من الخطأ، بحسب مبدأ: "لا أُريكم إلا ما أرى"، وهذا ما يؤدي إلى أفول الحضارات وانهيار القاعدة التي تشكل الوحدة والمواطنة الفعّالة. إذاً نحن بحاجة ماسة إلى قرار شجاع وبصوت عالٍ من قبل الوزراء يؤكدون من خلاله على شفافيتهم المطلقة في التعامل مع المنصب الذي كُلفوا به واضعين الوطن في مقدمة المصالح التي لا تنفك أن تخرج من عباءة المصلحة الذاتية التي خيّمت على المشهد العام.
عندما نريد أن "نشرعن" مشروع الاستجواب علينا أن نخرج من إطار الدائرة الضيقة ـ التي توحي لكثير من الوزراء بأنّ الاستجواب هو اتهام يهز عرش المنصب والحكومةـ إلى إطار أكبر اتّساعًا وهو باعتباره أحد الإجراءت التي تقوم بها منظومة الرقابة البرلمانية، وهنا سيقدمون بالتأكيد درسًا وثقافة مجتمعية تُسجل في تاريخ العمل البرلماني، وشفافية الحكومة في التعامل مع شتى القضايا، وهذا ما يقود إلى بناء أجيال تضع مصلحة الوطن الأولوية الأولى التي لا تحتاج إلى تنظير وشعارات تحت ستار الوطنية.
لا يمكن أن يتبنى مجلس الشورى استجوابا من باب كي يقال عنه بأنّه مجلس منتخب يمثل هموم وقضايا المواطن فقط، وإنما هو طلب يتكئ على تفعيل المشاركة السياسة التي عالجت بها السلطنة الكثير من الإشكاليات منذ أحداث الفترة الأخيرة الموسومة بفترة "الربيع العربي"، لذلك فقد بنى المجلس المنتخب هذا الطلب على المسؤولية التي حملوها على عاتقهم حتى يساهموا في مسار التنمية الشاملة، وهو بحد ذاته يتمثل في جمع للمعلومات لتوضيح الحقائق وإعلانها للرأي العام، وبديهيا عندما يكون مسار الحكومة واضحا فإنّ الاستجواب لا يشكل لها خوفا تقف في وجه كلما حرك مجلس الشورى هذه الورقة، وإنما هو ضمان مهم لحماية حقوق المجتمع.
همسة:
على حسب علمي أنّ هناك ثلاثة استجوابات تمّ تجاهلها ورفضها؛ حيث أصبحت ثيمة وعادة تتبعها الجهات المختصة، لوأد فاعلية الاستجواب وتفتيت معناه الدقيق الذي يصب في مصلحة الوطن، فمتى تنفك عقدة استجواب الوزير؟!

[email protected]