عيسى بن علي الرواحي
هذه هي نظرة كثير من أبناء المُجتمع تجاه أعظم المؤسسات التعليمية التي تحتضن أبناءهم تربيةً وتعليمًا منذ طفولتهم إلى مُقتبل شبابهم ألا وهي المدرسة، فابن المُجتمع بشكل عام إن لم يكن أحد أبنائه بالمدرسة فهي في نظره لا تعني له شيئاً وإن كان جارًا لها، وأقصى ما قد يعرفه عنها هو اسمها، فإنْ هي نشرت دعوة عامة لحضور أمسية أو احتفال، أو طلبت إسهامًا مادياً أو معنويًا بما يخدم العملية التعليمية لم يكن لها نصيب من ذلك الفرد بحجة أنَّها لا تعني له شيئاً رغم أنَّه قد يكون جلس على مقاعد الدراسة فيها ما يربو على عقد من الزمان.
لكن الأمر يزداد أسفاً وعجباً أن تكون هذه النظرة حتى عند أولياء أمور الطلبة الدارسين وواقع الحال أصدق من المقال، فكثيرٌ منهم إن لم يكن أكثرهم ينظر إلى المدرسة بأنَّها لا تعني له شيئًا سوى أنَّ أبناءه يدرسون فيها وانتهى الأمر، فموقعها يكاد يجهله كما قد يجهل الصفوف الدراسية لأبنائه، ولم تحدثه نفسه يومًا أن يزور المدرسة ويتعرَّف على حال أبنائه ووضعهم التعليمي والسلوكي، وإذا أتته دعوة خاصة أو عامة للحضور إلى المدرسة لأمر ما فإنِّه سرعان ما يرفض دون مُبررٍ ومبالاة بالأمر، فهذا طالبٌ يُسلم أباه دعوة من إدارة المدرسة لحضور اجتماع يهم أبناءه دراسياً فيُقابله بالرد "قلت لك مرارًا أي شيء يخص المدرسة لا تكلمني فيه" وطالب آخر يصرح بأنّه لن يسلم والده أيّ دعوة تخص المدرسة؛ لأنّه قالها صراحةً أمام أبنائه إنَّها لا تعني له شيئًا، وعلى شاكلة هذا السلوك كثيرون؛ ولمَّا كان الأمر كذلك فقد اتسعت الفجوة وزادت الجفوة بين الأسرة والمدرسة مؤثرة سلبًا على واقع أبنائنا التعليمي والسلوكي، فمجالس الآباء والمُعلمين في كثير من المدارس لا وجود لها، وفي مدارس كثيرة أخرى موجودة ورقياً ولكن لا أثر لها، ودون مُبالغة ومن خلال الواقع الملموس فإنَّ حضور الاجتماعات العامة وما شاكلها لأولياء الأمور في أكثر المدارس لا تتجاوز 10% في أفضل الأحوال، بل ما أكثر إدارات المدارس التي ألغت كل ما يتعلَّق بالاجتماعات والدعوات العامة التي تخص أولياء الأمور كونها في نظرها إضاعة للجهد والوقت!.
ولم يكن تأثير هذه النظرة تجاه المدرسة من قبل الآباء مقتصرًا على الجوانب التعليمية والسلوكية فحسب، بل إنَّ الطلاب بشكل عام تأثروا كثيرًا بنظرة آبائهم، وانغرست فيهم تلقائيًا؛ فصارت المدرسة عند كثير منهم لا تعني لهم شيئاً سوى أنهم ملزمون بالذهاب إليها صباح كل يوم دراسي، أما الحُب والولاء الحقيقي لهذا الصرح العلمي فيكاد يكون معدوماً يظهر ذلك في عدم مبالاتهم بالمرافق المدرسية، وعدم اهتمامهم بنظافة ساحاتها وممراتها ورمي مهملاتهم في كل بقعة من بقاع المدرسة، وعدم احترام أنظمتها، ورغبتهم الجامحة في الغياب لأتفه الأسباب، وعدم إيصال الدعوات المدرسية إلى آبائهم، حتى تقارير مُستوياتهم الدراسية ودرجات اختباراتهم ونتائجها؛ وكل ذلك نتاج ما يعرفه الابن من ولي أمره في أنَّ المدرسة لا تعني له شيئًا، ولذا فليس غريبًا عندما يتواصل معي بعض أولياء الأمور يسألون عن نتائج أبنائهم رغم أنَّ النتائج قد سلمت لأبنائهم، وقد يكون الأدهى من ذلك عندما يجهل ولي الأمر الحد الأدنى المقبول من الدرجات لنجاح الطالب، ومتى يحسب من الناجحين ومتى يعتبر راسباً رغم أنَّه ممن نالوا حظاً وافرًا من التعليم، ولكن النظرة الغالبة السائدة في أنَّ المدرسة لا تعني لهم شيئاً.
من المُؤسف جدًا أن تكون هذه النظرة العقيمة أيضًا عند بعض أعضاء الهيئات الإدارية والتدريسية، فعلاقتهم بالمدرسة فقط مقتصرة على أداء واجب وظيفي فقط ولا مجال لغير ذلك، وليت الأمر مقتصرٌ على أداء الواجب الوظيفي على وجهه المطلوب، فما أكثر ما ينال ذلك الواجب من تهاون وتقصير!
لا يمكنك اليوم أن تقنع كثيرًا من العاملين بالمدارس أن يتطوعوا في عملٍ إضافي يخدم العملية التعليمية على أقل تقدير من باب سد عجز الواجبات المنوطة بهم ومن ذا الذي لا يُقصر في واجباته إلا من رحم الله، ولا يُمكنك أن تقنعهم أن يحضروا اجتماعاً أو يؤدوا ساعة تدريسية لتقوية الطلاب خارج نطاق ساعات العمل الرسمي كأنَّ يكون مساءً أو في إجازة رسمية ولو مرة واحدة في العام الدراسي أو مرة واحدة كل عشر سنوات؛ لأنَّهم باختصار شديد: المدرسة لا تعني لهم شيئًا.
وهناك من أصحاب القرار في مُختلف الأقسام والدوائر والمديريات التابعة لوزارة التربية والتعليم من لديه هذه النظرة المتعالية تجاه المدرسة والعاملين فيها، فلا حظ لها من تطوير يواكب النظام واهتمام بقدر المقام ورفع كفاءة العاملين بما يستحقونه كحال غيرهم خارج تلك الصروح الماجدة؛ وذلك لنظرة مُضمرة إن لم تكن ظاهرة مفادها أنَّ المدرسة لا تعني لهم شيئًا.
لا ريب أنَّه عندما تتغير النظرة العامة تجاه المدرسة من قبل كافة أطياف المجتمع ومختلف مؤسساته إلى نظرة إيجابية مفادها أنَّ المدرسة تعني لهم كل شيء؛ فحينها حتمًا سنجد واقعا تعليميا مغايرا يتسم بالعطاء والحيوية والنشاط، ونلمس تطورا مستمرا يواكب مقتضيات العصر، ونعايش إبداعاً متواصلاً يستحق الإشادة والتقدير والاهتمام، وستكون لدينا نتائج إيجابية مذهلة ومخرجات طيبة تسعد بها البلاد والعباد... والله المستعان.