أنتم أجمل بدون مكياج

خالد بن علي الخوالدي
لا أدري عن أصل كلمة مكياج ومن أين أتت، ويقال إنَّ أوَّل من استخدم المكياج الملكة كيلوباترا قبل 400 عام قبل الميلاد، وما أعرفه ومتيقن منه أنَّ حياتنا في كثير منها أصبح يعلوها ما يُسمى بالمكياج لدرجة أنَّنا فقدنا الجمال الحقيقي والصادق فيها، فلم نستطع أن نُميز الإنسان الصادق عن غيره لأنَّه ألبس كلامه نوعًا من المكياج وكذا الحال بالنسبة للمرأة فقد انخدع الكثيرون بذات المكياج الأنيق، فحسبوا أنه امتلك الجوهرة الثمينة بينما هو امتلك في الواقع محارة جوفاء خالية من الداخل (بدون تعميم طبعًا).
 
إنَّ الجمال الحقيقي للإنسان هو معدنه الأصيل وقلبه الجميل والمُحب للخير والحياة، أما الجمال الخارجي فهو جمال نسبي يختلف فيه النَّاس جميعًا فما تراه جميلاً شكلاً يراه غيرك في قمة القُبح وما تراه قبيحاً يراه غيرك قمة الجمال، وللأسف الشديد فإنَّ الحياة المدنية الحديثة قلبت الموازين فأصبح البشر يهتمون بالجمال الخارجي ويدفعون الغالي والنفيس لتحقيق ذلك الحلم بينما الجمال الداخلي غفل عنه الأعم من البشر ظناً منهم أنّ الشكل الخارجي هو الجذاب أما الداخلي فهو درجة ثانية في الأهمية، لذا ركض الكثير من العشاق والمُحبين خلف الجمال الخارجي الذي أصبح اليوم عبارة عن أصباغ ممزوجة مع بعضها وتناسوا الجمال الداخلي، وهذا حال العشاق الذين يعشقون بعيونهم والذين ينطبق عليهم قول المتنبئ :
مما أضر بأهل العشق أنهم   ..هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعًا وأنفسهم  ... في إثر كل قبيحٍ وجههُ حسنُ
 
إنَّ جمال الشكل الخارجي الممزوج بألوان الطيف استطاع بلا شك إبهار العيون ولكن ما أن يقف الإنسان موقف المُتأمل المُتفكر إلا ويجد أنَّ هذه الألوان كذب في الواقع، فكل من يصنع قناعاً خارجياً فهو في الأصل يحاول أن يخفي وراء هذا القناع شيئاً من القُبح لذا هو يكذب بطريقة غير مباشرة، وكل من يمثل ويتظاهر ويضع الأقنعة ليُظهر للناس معدناً آخر غير معدنه الأصلي فهو يكذب عليهم بطريقة غير مباشرة، والكذب حبله قصير كما يُقال حيث سيكشف كل من يلبس هذه الأقنعة، وفي الأخير لا يصح إلا الصحيح والخداع البصري يتوقف عند حدٍ مُعين.
والذي يثير الاستغراب أنَّ الخداع البصري لم يسيطر علينا في القنوات التلفزيونية والسينما والأفلام المرئية فقط وإنما تبعنا في حياتنا اليومية حيث تتهافت العيون خلف المهتمين والمهتمات بتغيير إشكالهم وألوانهم وصورهم لخداع من هم أمامهم بل إن البعض يتخذهم قدوة للأسف، فما أن يُذكر الجمال والوسامة حتى يشار إلى هؤلاء بالبنان بينما هم في الأصل لا يتعدون أن يكونوا كذابين في سوق الابتذال والمهانة والحقارة، لأنهم في الواقع بعيدون عن الجمال الحقيقي بُعد المشرق عن المغرب.
إنني لست ضد أن يكون الإنسان جميلاً وأنيقاً في شكله الخارجي، إنني ضد أن يجعل اهتمامه الكبير لذلك على حساب الاهتمام الداخلي من علم وتربية وأخلاق وتهذيب للنفس، إنني ضد المبالغة في الاهتمام بالشكل الخارجي وصرف المبالغ الباهظة على المكياج والتجميل والذي يصرف عليه حسب الدراسات أكثر من 200 مليار دولار سنوياً وهو مبلغ يكفي لتعمير عشرات الدول الفقيرة وإطعام جياع العالم.
 أخيرًا لو اقتنع كل إنسان بأنَّه جميل سيكون جميلاً بأعين النَّاس لو لم يضع أي مسحوق تجميلي، ومن زرع في نفسه أن جماله لا يكون إلا بوضع المساحيق فتلك عملية حسابية مُعقدة عليه أن يُعيد حساباتها ويتفكر فيها لمصلحته حتى لا يندم بعد فوات الأوان، ودمتم ودامت عمان بخير.

Khalid1330@hotmail.com