مدة الخدمة لا تُشكل الخبرة!

هلال بن سالم الزيدي

يتفق معظم  خبراء التنمية البشرية أنَّ مدة الخدمة في أيّ قطاع من القطاعات لا تُشكل ما يُسمى بالخبرة التي تتبلور في تعامل الإنسان مع محيطه، إلا باشتراطات كثيرة ـ سأحللها لاحقا ـ أو عوامل مهمّة حتى تتوافق تلك السنوات مع عمل الإنسان سواء كان عملا فرديا أو تحت إطار مؤسسة متجددة في خدماتها ومتطورة في تعاملاتها مع المجتمع، ولعلّ هذا الاتفاق مبنيّاً على كثير من التحليلات المتوافقة مع قيمة العطاء أو ما يُسمى بالجودة في الإنتاج، فكلما كان الناتج يتّسم بقيم الإبداع ويتأطر بأطر الابتكار كلما تحوّلت السنوات العجاف من الجري اليومي إلى خبرة يُعتدّ بها عند قياس الأداء الوظيفي والسلوك القيمي في محيط العمل، وهذا طبعًا لا يتأتى بين ليلة وضحاها، وإنما يحتاج إلى عمل مضن يشترك فيه الموظف والمؤسسة حسب سياستها التي تكّون منهاج صقل القدرات وتوجيه الكفاءات نحو مزيد من العطاء، بطريقة عملية بعيدة عن التنظير أو التخطيط الذي لا يُنفّذ.
عند الحديث عن الكفاءات البشرية نجد أن مسار التحليل يتجه إلى قوة القيادة التي تضع المنهجيّات الاستراتيجية التي تهتم بالمورد المالي والبشري حيث يشكلان هذان المساران قطبي الرحى في تحقيق نتائج مبنية على مشروعات حيوية قابلة للتنفيذ ومصممة على نسق يتناسب والاحتياجات الجماهيرية، فالقيادة الواعية والمدركة بأهمية العنصر البشري لا تتوانى عن إيجاد البيئة المحفّزة للموظف مهما كانت الظروف الاقتصادية التي يتذرع بها "الإداريون" تحت إطار المحافظة على الموازنات، وتعليق شمّاعة "تقليل الإنفاق" على منح الحوافز للموظفين، مما يؤثر في نوعية الإنتاج وبالتالي يتضرر المجتمع، أو الفئة التي تحتاج إلى خدمات تلك المؤسسة، لذلك فالفرق بين المدير والقائد كبير جدا، وما نراه على أرض الواقع ما هو إلا انعكاس حقيقي يساعدنا على التفريق بين القادة والمديرين، فالبحث عن الأسباب التي يحتجّ بها بعض المديرين سهلة جدا وفي متناول الجميع، إلا أنها وقتية لحظية، تساعد على اتساع فجوة الولاء الوظيفي، ليتحوّل الموظف من منتج إلى عالة وعبء على مقدرات المؤسسة.
لذلك تُشكّل الظروف الاقتصادية أكبر تحدٍّ لكثير من الإدارات، وفي ذات الوقت فهي تعد مؤشرا إيجابيا في تحديد مدى قدرة تلك "القيادة" على البحث عن حل للأزمات، وليس إيجاد مشكلة أخرى تتفاقم مع مرور الوقت، ولعلّ النماذج التي نراها ونسمع عنها في محيطتنا اليومي كفيلة بإعطائنا صورة واضحة، فكم من قيادة استطاعت أن توجد مسارات وحلولا أكثر وقعا من اللجوء إلى تقليص بنود الحوافز، ومن المؤكد هذا ما ينطبق على المؤسسات التي تتضح فيها الموازنات السنوية والتي لم تتأثر بالأزمات الاقتصادية بسبب وجود عنصر التنويع في المدخلات، لذلك اتصفت تلك المؤسسات بثباتها كونها بنت خططها الاستراتيجية على منهجية طويلة المدى، وعليه فإنّ القيادة هي العامل المؤثر الذي يوجه ويتنبأ بالأزمة قبل وقوعها، حتى لا تكون كسقوط الفأس على الرأس، ويكون الفشل لا مناص منه.
وعودة إلى آلية تحويل مدة الخدمة إلى خبرات متراكمة، فإنّ الاشتراطات التي يعتد بها خبراء التنمية البشرية تتمثل في خمس أشياء، تصنف بعضها وكما أشرت سابقا بأنّها جهد فردي وضروري، وبعضها مؤسسي، ومعظمها يصب في قيم التعلم والمعرفة، وهنا أُشير إلى ما يؤكده الدكتور طارق السويدان في هذا الموضوع، حيث أشار إلى هذه الأشياء وعدها وحدة واحدة متّسقة مع بعضها بعضا، فالقراءة المتخصصة بمحتواها هي عامل مهم: كم كتابا قرأت خلال هذا العام؟ وما هو آخر كتاب؟ ومتى صدر؟ ولا بد هنا من أن تتنوع الكتب بين الحديثة والقديمة، وتلك الأسئلة في حد ذاتها عميقة في أهميّتها من حيث تركّز المعلومة والقيمة المضافة لها على الفرد، أمّا الشرط الثاني فيتمثل في عدد الدورات التدريبية التي حضرها الموظف/ الفرد خلال العام في مجال تخصصه، ومن الضروري أن تكون ثلاث دورات، اثنان منها تخصصية وواحدة عامة، أمّا ثالث شرط فيتمحور في عدد المجلات التي قرأها خلال شهر؟ فمن المهم أن يقرأ الفرد مجلة واحدة في تخصصه، وأخرى عامة ذات قيمة، فيما يركز الشرط الرابع على: ما هو آخر مؤتمر حضره الموظف في تخصصه خلال العام؟ وهنا يحتاج إلى ثلاثة مؤتمرات تهتم بتخصصه، وخامس الشروط هو: مدى معرفتك لاثنين من علماء تخصصك.
ربما ينظر البعض إلى الاشتراطات الخمسة تلك، بأنّها عادية وبسيطة، لكن فحواها عظيم، مما يدل هنا على أنّ مرحلة التعلم لا تتوقف بحصد الشهادات أو الدرجات العلمية وإنّما عملية متجددة "ديناميكية" تحتاج إلى جهد وصبر وإقبال لا تثبّطه التحديات التي تقطع طرق التواصل بالمحيط الإنساني، لذلك علينا أن نشحذ مسار المبادرة وتغيير الروتين اليومي؛ القيد الذي حزّ في الإنتاج وتطور الفكر البشري، فالدعوة هنا عامة مترابطة، تحتاج إلى اهتمام وتوجيه من قبل "إدارات الموارد البشرية" من أجل تحفيز الكفاءات نحو تجويد عطائها.
همسة:
لا يمكن أن نلقي باللوم على طرف دون آخر، كما يجب على المديرين ألا ينسوا أنفسهم من تلك الاشتراطات لممارسة سلطة القرار على الموظفين، مع تجاهل ذواتهم، فالمهم أن تكونوا قادة وقدوة.
abuzaidi2007@hotmail.com