القمة العربية والصيد في البحر الميت


د. صالح بن هاشل المسكري

بداية نقول بأنّ العنوان لا يعني بأي حال الانتقاص من مكانة المملكة الأردنية الهاشمية العزيزة ومنطقة البحر الميت بالتحديد، إنما هو رمزي للإشارة إلى ضعف قوة العرب وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس، هؤلاء القادة لم يصنعوا لأُمتهم العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة كما لُقّنا صغاراً في المناهج الدراسية أي شيء يُذكر للتاريخ منذ قمة إنشاص الأولى في الإسكندرية في مايو 1946م وحتى قمة نواكشوط الأخيرة في يوليو 2016.
عقدت القمة الأولى قبل عامين من النكبة العربية الكبرى واغتصاب اليهود لفلسطين العربية عام 1948م، بذريعة أنَّها أرض المعاد الخالصة لإسرائيل "يعقوب" عليه السلام ونسله من بعده كما يدعي اليهود وبها معبد النبي سليمان بن داود، بعدها اجتمع العرب في أربع قمم ولم يخرجوا سوى ببيانات وعبارات رنانة، ثم جاءت حرب 1967م بين إسرائيل والقوات العربية وتمكنت إسرائيل وبأقل من نصف عدد القوات العربية من هزيمة العرب واحتلال أراضيهم في سيناء والجولان والضفة في حرب الأيام الست التي تُعد أقصر حرب بين الجيوش في التَّاريخ العسكري، بعدها بشهرين اجتمع العرب في الخرطوم للتعبير عن غضبهم وإعلاء مكبرات صوت القومية العربية، ثم عادوا إلى مضاجعهم وكأن شيئاً لم يكن.
ونحمد الله أنَّ المسيحيين لم ينتهزوا الفرصة ويكملوا على بقية الأردن لتكون مقراً للبابوية بذريعة أنَّ المسيح عيسى عليه السلام ولد في بيت لحم المجاورة وأن مغطسهُ يقع قريباً جدًا من البحر الميت "مقر القمة العربية القادمة" لتكون الأردن بديلاً عن الفاتيكان الصغيرة التي سمح بها القوميون الطليان مقراً للبابوية بعد حربهم الشرسة معها عام 1929م.
جامعة الدول العربية والقمم العربية التي توالت بعد إنشائها بعام واحد لم تقدما كما أسلفنا أي شيء يذكره التاريخ للأمة العربية سوى أدبيات الشجب والتنديد بتصرفات الكيان الصهيوني، وتجميد العضويات في الجامعة العربية لأسباب سياسية لمصر العربية ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس لأكثر من عشر سنوات 1978 إلى 1990، وتعليق عضوية العراق عام 1990، ثم ليبيا وسوريا عام 2011م وهذه الدول عدا ليبيا هي من الدول المؤسسة للجامعة العربية عام 1944م، علماً بأنَّ تجميد العضوية أو تعليقها لا علاقة لهما بميثاق جامعة الدول العربية الذي ينص في المادة 18 "لمجلس الجامعة أن يعتبر أيّ دولة لا تقوم بواجبات الميثاق منفصلة عن الجامعة بقرار يصدره بإجماع الدول "والتجميد أو التعليق غير الفصل، إضافة إلى أن قرارات التجميد والتعليق لم تأتِ بإجماع الدول الأعضاء وهذا أيضاً مخالف لميثاق الجامعة الذي يشترط الإجماع.
وفي يوم 29 مارس الجاري سينعقد مؤتمر القمة العربي الثامن والعشرون في أحد منتجعات البحر الميت بالأردن، وحُدد لجدول أعمال هذا المؤتمر أربعة محاور رئيسية هي القدس والقضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والأوضاع في العراق وليبيا، إضافة إلى الضيف الثقيل على مؤتمرات القمم العربية منذ العام 2011م وهو محاربة التطرف والإرهاب، حسب ما صرح بذلك الملك عبد الله الثاني ملك الأردن مستضيف القمة.
وبالنظر إلى المحاور السابقة نجد أنَّ أغلبها أخذ من الأرشيف العربي المثقل بالمشاكل والأزمات "ليته كان مثقلاً بالإنجازات والاختراعات" ولم تكن هناك أية محاولة للتفكير العميق والخروج بمحاور وعناوين أكثر صدقاً وتفاؤلا تلامس الأحلام المبعثرة للشعوب العربية وطموحاتها الصغيرة التي لا تتعدى الحد الأدنى من الحُريات والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، في واقع عربي أصبح قاتماً ومزرياً ومهيناً بكل ما في الكلمة من معنى، وليس هناك أي شعاع قادم من نهاية النفق المظلم الذي تسلكه أغلب الشعوب العربية.
ودليل على استمرار الواقع العربي المهزوز، تركز القمة القادمة على قضايا تعلم مسبقاً أنها بعيدة كل البعد عن سيطرتها كملف الأزمة السورية وملفات الأوضاع في العراق وليبيا، فهذه الملفات تمَّ تدويلها واستقرت في أيدي القوى العظمى والسماسرة الكبار في العالم ولن يستطيع العرب وإن اتفقوا أن يقدموا حلولاً لها، هي مجرد ثرثرة عربية وفض مجالس وفاقد الشيء لا يعطيه.
حتى ملف محاربة التطرف والإرهاب في البلدان العربية الذي تمّ إشغال العرب به منذ ثورة الياسمين وما تبعها من ربيع عربي، هذا الملف تحت إدارة أجهزة المُخابرات الأمريكية والإسرائيلية منذ تكوينه لأنَّه من بنات أفكارها، إضافة إلى الشركات الأمنية الخاصة التي تمَّ تسويقها في العالم العربي من أجل تقديم الخدمات الأمنية والاستشارية خاصة منطقة الخليج حيث تقاطر عددٌ ليس بقليل من هذه الشركات على البلدان العربية ودفع الحكام عشرات المليارات من أموال شعوبهم لهذه الشركات التي من الواضح أن من مهامها العمل كبؤر تجسس للصهيونية العالمية داخل أجهزة الأمن والاستخبارات العربية، مع استبعاد القادة العرب لأيّ دور لشعوبهم ومشاركتهم في تقديم الرأي والمشورة، وتجاهلهم لسن التشريعات القانونية محلياً التي قد تُساعد على تنظيم ومراقبة عمل هذه الشركات وعقودها السربة في أغلب الدول العربية.
أما محور القدس والقضية الفلسطينية فهو ملح القمم العربية عبر الأجيال "والكذب ملح الرجال" كما يُقال؛ حيث إنَّ القادة لا يضعون هذا الملف على قممهم باستمرار من أجل تقديم الحلول للشعب الفلسطيني المنكوب والتقريب بين رام الله وغزة إنما ليساوموهم على مبادئهم وولاءاتهم وانتماءاتهم بعد أن صنفوهم إلى فتح ينتمي لهذا المُعسكر العربي وحماس وجهاد يتبع لذاك التيار، الأمر الذي أجبر بعض الفلسطينيين إلى الذهاب إلى إيران وإلى تركيا وإلى التنظيمات الإرهابية القوية التي تتخذ من شعار الإسلام غطاءً لها لطلب الدعم والمساعدة، وهذا يُعيد إلى الأذهان توجه الحوثيين إلى إيران وهم عرب أقحاح بعد أن ذاقوا صنوف الإذلال والمساومات من جيرانهم العرب ولعقود من السنين.
وكشف العرب عن حقيقة دورهم السلبي المُتخاذل في الأمة حينما تجاهلت القمة العربية "عن قصد" ملف الأزمة اليمنية وآلة القتل التي تدور رحاها منذ أكثر من سنتين في اليمن لأنَّ هذه الأزمة عربية عربية فالجاني والمجني عليه من العرب. وإن المُخططات الصهيونية العالمية مُستمرة ويعمل على تطبيقها على الأرض العملاء والأذناب في المنطقة، وفي المُقابل تشغيل مصانع السلاح الأمريكية والغربية والشركات الأمنية الخاصة التابعة لها.
 وللأسف هذه الحرب والحرب في سوريا والاقتتال الحاصل في العراق وفي ليبيا وفي اليمن تمكنت بالفعل من تدمير الإنسان العربي وحضارته ومستقبله، بل دُمرت الجيوش العربية بالكامل في جميع هذه البلدان وهي التي شكلت في السابق ما كان يُسمى بجبهة الصمود والتصدي للوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية، وأُشغلت الجيوش الأخرى بمشاكلها الداخيلة مثل الجيش المصري والسوداني والمغربي، أما جيوش دول مجلس التعاون الخليجي فكما أسلفت تحالفت "عدا سلطنة عُمان" على القتال في اليمن، والغريب أنه عندما اجتاح العراق دولة الكويت الشقيقة وربما يكون له أسبابه هبَّ العرب واستعطفوا العالم معهم لمُقاتلة العراقيين فدُمرت العراق، وعندما شنّ بعض العرب حربهم على اليمن لم يتحرك ضمير البعض الآخر لنجدتها فضاعت اليمن في مهب العاصفة.
أخيراً نقول بأنَّ اليهود آمنوا بشعب الله المختار وعملوا على إحيائه وتعزيزه وتمكينه وعمَروا الأرض أكثر مما عمروها، أما العرب فكفروا بخير أمة أخرجت للنَّاس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وناموا على أمجاد عتيقة ولم يستيقظوا فتجاوزهم التاريخ، وهاهم اليوم يخرّبون بيوتهم بأيديهم وأيدي الآخرين ويقتلون بعضهم بعضًا ليعودوا كما كانوا إلى الجاهلية.

[email protected]