استقلال أسكتلندا .. "خريف بريطانيا" المُرتقب

مصير 4 شعوب مُعلق بنتيجة الجدل بين سيدتي لندن وإدنبرة الكبيرتين

  • تيريزا ماي تراوغ كسبًا للوقت .. وستورجون خطوة واثقة للأمام وخطوة "دبلوماسية" للخلف
  • هل تتحقق نبوءة الزعيم الأسكتنلدي أليكس سالموند بعد 3 سنوات من الاستقالة
  • في استطلاعات الرأي وتصريحات الجانبين .. الجميع يتحدَّثون نيابة عن الشعب
  • دوافع الجيل الذي يطالب بالانفصال بعد 300 سنة من الوحدة تستحق الدراسة
  • تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ويقاتل قادة أسكتلندا من أجل البقاء .. وتركيا تستجدي على بابه

الرؤية – هيثم الغيتاوي

تبدأ رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي الأربعاء المُقبل أولى خطواتها الحذرة في مشوار مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستورجون تنتهز الفرصة للضغط من أجل تحقيق أهداف حزبها الحاكم لإجراء استفتاء جديد على استقلال أسكتنلدا عن بريطانيا في خريف العام المُقبل، أي قبل إتمام عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما رأته ماي "وقتاً غير مُناسب". وهو تعليق يبدو وكأنه يُصوّر الخلاف فقط حول الوقت المناسب لا على مبدأ إجراء الاستفتاء، بينما الواقع أكثر تعقيداً من مسألة التوقيت.

فكيف سينتهي الصراع بين سيدتي بريطانيا الكبيرتين.. هل تنجح تيريزا ماي في المراوغة كسبًا للوقت؟ أم تنتصر ستورجون لحزبها الحاكم والحالم باستقلال أسكتلندا، ليُصبح خريف العام المُقبل "فألاً سيئاً"، إذ ربما تجر خطوة أسكتلندا خطوات أخرى لباقي شعوب المملكة المتحدة (ويلز وأيرلندا الشمالية)، ليكون خريف 2018 بداية "خريف بريطانيا" العاصف.. بعد مواسم الربيع المُمتدة لعقود في المملكة التي (كانت) لا تغرب عنها الشمس!

في سبتمبر 2014 أعلن الزعيم الأسكتلندي المؤيد للاستقلال أليكس سالموند استقالته من منصب الوزير الأول وزعامة حزبه السياسي بعد أن صوت الأسكتلنديون لصالح البقاء في المملكة المتحدة. وقال سالموند إنه يفخر بحملة الانفصال التي أطلقها وبالمُشاركة القياسية في الاستفتاء. ثم ختم بتصريح يرقى إلى مرتبة النبوءة، إذ قال الرجل بثقة يُحسد عليها قبل نحو 3 سنوات من الآن: "إن حملة انفصال أسكتلندا لم تنته.. وحلم الاستقلال لن يموت أبدًا".

والآن وبعد أقل من 3 سنوات من التصريح الواثق لسالموند، تتصاعد نبرة انفصال أسكتلندا في العاصمة إدنبرة من جديد، بشكل حاد ودرامي، وبمبررات أكثر عمقاً، وإن كانت العقبات لا تزال هي الأخرى أكثر صعوبة.

الاستفتاء المُناسب في الوقت غير المناسب

وحتى الآن، لا يبدو خريف 2018 موعدا محسوماً لإجراء الاستفتاء بحسب رغبة ستيرجن ورغم موافقة البرلمان الأسكتلندي، إذ تبقى موافقة الحكومة البريطانية على طلب إجراء الاستفتاء شرطاً صعباً قبل أن يعرض الطلب على مجلس العموم البريطاني. لذلك قالت ستورجون "بموافقة النواب الأسكتلنديون على مذكرة الاستفتاء، فإنّه لا يُمكن الدفاع ديمقراطيا عن موقف رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي ترغب في تعطيل كل استفتاء وفرض "بريكسيت" قاس بدون مشاورة الشعب". وأكدت ستورجون أن "هذا القرار الحاسم يجب ألا يتخذ من قبلي أو من قبل رئيسة الوزراء ماي. إنّه قرار الشعب الأسكتلندي".

وتتمسك تيريزا ماي بأن الوقت لا يسمح بتنظيم استفتاء في حين ستخوض المملكة المتحدة لمدة عامين مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، لأن الاستفتاء على الاستقلال يمكن أن يضعف تيريزا ماي في مفاوضاتها مع المفوضية الأوروبية إلى جانب أنّه يُهدد التماسك في المملكة المتحدة.

وتصاعد الخلاف بشأن التصويت المقترح مع انطلاق أعمال المؤتمر الحزبي لفصل الربيع لكل من حزب المُحافظين الذي ترأسه ماي والحزب الوطني الأسكتلندي الذي ترأسه سترجيون. وقالت سترجيون إن لديها تفويضاً للدعوة لاستفتاء آخر وإن جدولها الزمني لإجرائه قبل مغادرة بريطانيا الرسمي من الاتحاد الأوروبي، له أسبابه المعقولة.

وأضافت سترجيون: " اعتقد أننا نرى أنَّ رئيسة الوزراء ماي ليست في موقف يمكنها من الحفاظ على ذلك، وأود أن أقول لها، بكل صدق أن نحاول أن يكون ذلك بالتراضي، ويبدو أن لدينا نقطة انطلاق للاتفاق على أن كلانا يعتقد أن الوقت ليس مناسب الآن لإجراء استفتاء". وطالبت ستورجيون ببدء محادثات فورية مع بروكسل لحماية مكانة أسكتلندا في الاتحاد الأوروبي.

ولكن ماي أشارت إلى أنها لن تمنح مثل هذه الموافقة، كما أن حزب العمال وحزب المحافظين الأسكتلنديين أيضاً ضد إجراء استفتاء آخر. وقالت ماي للمؤتمر الحزبي في كارديف إنه "سيتعين عليها دائما الكفاح من أجل الحفاظ على تلك الوحدة الثمينة" وتلك هي فرصة لإقامة "دولة موحدة أكثر". وأضافت "نتعاون معاً كشخص واحد وننجح معًا.. إننا أربع دول لكن، في القلب شعب واحد".

لذلك خففت نيكولا ستيرجن، من حدة موقفها بشأن التوقيت المحتمل لإجراء الاستفتاء بين خريف 2018 وربيع 2019، وقالت ستيرجن إنها قد تعد لإجراء الاستفتاء فى وقت لاحق مادام لن يتأخر كثيرًا بعد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد. وقالت ستيرجن فى مقابلة مع تلفزيون "آي.تي.في." إن "الأمر يعود عندئذ إلى ماي كي تحدد الجدول الزمني الذي تعتقد أنه مناسب وحينها سأكون سعيدة لخوض هذا النقاش."

وردًا على سؤال عما إذا كان إجراء الاستفتاء مناسباً فى عام 2021 قالت ستيرجن إنّه لن يكون كذلك لأن وقتاً طويلاً يكون قد مرَّ على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، المفترض فى أواخر مارس 2019، وحينها ستكون تغيرات قد حدثت فى كثير من المجالات مثل القوانين واللوائح. حينها سيكون من الصعب للغاية على أسكتلندا أن تسلك مسارا مختلفا. لكن إذا كانت تتكلم عن ربيع 2019 أو في موعد لا يبعد كثيرا عما اقترحته فاعتقد أنّه سيكون هناك مجال للنقاش."

الجميع يتحدثون نيابة عن الشعب

قبل نحو أسبوع من تفعيل إجراءات خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، أدانت ستورجون أمام البرلمان الأسكتلندي إلزام أسكتلندا بالخروج من الاتحاد الأوروبي "خلافاً لإرادتها".. وطالبت بتفويض ديمقراطي صريح لتنظيم استفتاء الاستقلال. وقالت ستورجون إن "كل جهودنا للتسوية رفضت" مشيرة بالخصوص إلى طلبها نقل المزيد من السلطات للبرلمان الإقليمي الأسكتلندي وطلبها البقاء في السوق الأوروبية الموحدة.

وتحدثت ستورجون بكل ثقة لضمانها أن النواب سيقرون المشروع بلا صعوبة، إذ إن الحزب الوطني الأسكتلندي الحاكم يملك أغلبية، ويحظى بدعم المدافعين عن البيئة.

يلفت الانتباه قول رئيسة الوزراء بكل حسم إن ما يحدث "خلافا لإرادة أسكتلندا"، وهو ما يعطي انطباعاً بأنّ هناك شبه إجماع في أسكتلندا على البقاء في الاتحاد الأوروبي ولو على حساب الانفصال عن بريطانيا نفسها.. وهو انطباع تكذبه استطلاعات الرأي على الجانبين.

فإذا حصلت ستورجون على الموافقة لإجراء الاستفتاء فسيكون على حزبها وحكومتها أن تقنع الأسكتلنديين الذين لا يزالون منقسمين، حيث أشار استطلاع صدر مؤخرًا إلى أن 44 بالمئة فقط منهم مع الاستقلال عن بريطانيا، مقابل 51 بالمئة ضد تنظيم استفتاء في المستقبل القريب من الأساس!

وتزامنت تصريحات ستورجون الواثقة مع نشر صحيفة صانداى تايمز استطلاعاً للرأى أظهر أن إعلان رئيسة وزراء أسكتلندا سعيها لتحديد موعد استفتاء جديد رفع نسبة الداعمين للاستقلال إلى 44 فى المئة مقابل 56 فى المئة أيدوا البقاء فى بريطانيا. كما أظهر الاستطلاع أن 51 فى المئة من الأسكتلنديين لا يريدون إجراء استفتاء على الاستقلال فى السنوات القليلة المُقبلة.

فعن إرادة أي شعب تتحدث ستورجون بهذا الحسم؟

ليست وحدها على أية حال، فقد سبقتها روث ديفيدسون زعيمة حزب المحافظين الذي تقوده ماي في أسكتلندا أيضا بقولها إن أي تصويت على الاستقلال يجب ألا يجرى إلا بعد انتهاء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى يتسنى للشعب الأسكتلندي معرفة الخيارات التي تواجهه. وأضافت " "لا أعتقد أنه يمكن تنظيم استفتاء على الاستقلال مجددا دون رغبة شعبية والشعب الأسكتلندي لا يريد ذلك."

مرة أخرى.. الشعب، الشعب كله لا يُريد ذلك، هكذا يتحدث الطرفان بحسم لا يحسدان عليه!

وبالرجوع إلى نتائج الاستفتاء البريطاني على مغادرة الاتحاد الأوروبي، كان أكثر من 60 في المئة من الناخبين في أسكتلندا اختاروا البقاء في الاتحاد، بينما صوت 52 في المئة لصالح الخروج في أنحاء بريطانيا وأيرلندا الشمالية.

وخلال الاستفتاء الأسكتلندي السابق على الانفصال عام 2014، عارض 55 في المئة من الناخبين انفصال أسكتلندا. وتشير استطلاعات الرأي الأحدث إلى تأييد الأغلبية بقاء أسكتلندا ضمن بريطانيا، ولكنها أقل عددا من السابق.

لكن ستورجون تبرر ذلك بأنّ الوضع تغير منذ استفتاء 2014، مشددة على أن 62 بالمئة من الأسكتلنديين صوتوا مع بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو 2016 في حين كانت نسبة البريطانيين المؤيدين للخروج 52 بالمئة وهو ما يعني أن رغبة الأسكتلنديين تميل أكثر للبقاء فى الاتحاد الأوروبي، وهي رغبة تتعارض مع ما تتجه إليه بريطانيا بانفصالها عن أوروبا.

ويؤيد تبريرات ستورجون محللون آخرون يرون أنَّ استقلال أسكتلندا في استفتاء سبتمبر 2014، جرى في ظروف أخرى. فقد جرى تخويف الأسكتلنديين من أنهم سيكون عليهم مغادرة الاتحاد الأوروبي، في حال خروجهم من بريطانيا، وقد نجح هذا التخويف جزئياً. وفيما بعد ظهرت تصريحات بأن الاستفتاء يُجرى مرة واحدة في الجيل الواحد، أي ليس قبل 20 عامًا. لكن الأحداث تطورت بشكل مُغاير تماما بالسيناريو المناهض لأوروبا.

وحسب استطلاع الرأي فإن 57% ممن صوتوا بلا كان السبب الأهم لديهم هو لعدم خسارة الجنيه الاسترليني كعملة لبلادهم، كما أنَّ أهم أسباب التصويت بلا كانت الخوف من النتائج الاقتصادية للانفصال مثل سعر العملة والانضمام للاتحاد الأوروبي والأسعار وفرص العمل. ولكن على الجانب الآخر فنجد أن غالبية الشباب صوتت بنعم. وهذه الأرقام تشير إلى أن مشكلة انفصال أسكتلندا لم تنته إلى الأبد وأنه في الأغلب سيحاول الشباب القيام بهذه المغامرة مرة أخرى في وقت قريب.

الانفصال أو الاستقلال.. بالسلاح أو بالاستفتاء  

في سبتمبر 2014، كتب نيل إيروين في نيويورك تايمز مقالًا بعنوان "لماذا تريد أسكتلندا الاستقلال؟" لافتا إلى أنه بعد 300 سنة من الوحدة، تريد أسكتلندا أن تترك التاج البريطاني، في مشهد يُعيد إلى الأذهان ما مرت به أسكتلندا قبل انضمامها لبريطانيا العظمى من مراحل توتر شديدة، تخللها معارك وحروب بين الطرفين حتى مايو 1707 حين تم إقرار قانون الوحدة لعام 1707 والذي اتحدت بموجبه مملكتا إنجلترا وأسكتلندا في ما يعرف اليوم بمملكة بريطانيا العظمى.

لكن نيل إيروين تجاهل الإشارة إلى القاسم المشترك في الحالتين، إذ تبقى نبرة "الشعبوية" هي السائدة سواء في معارك الانفصاليين بالسلاح قبل 3 قرون، ومعارك أنصار الاستقلال حاليا بسلاح التصويت والاستفتاء. فقد تغيرت الأدوات، لكن الرغبة متجددة، ليس فقط بدليل ما حدث في استفتاء 2014، وإنما بالعودة إلى 2007، حين تمكن الحزب الوطني الاسكتلندي الذي فاز بالانتخابات التشريعية من تشكيل أول حكومة مستقلة في تاريخ هذا البلد تحت الحكم البريطاني، فيما عزز قوته في عام 2011 حيث فاز ب69 مقعدا من أصل 129 في برلمان أسكتلندا المحلي.. وبمرور الوقت وصل الحزب إلى خطوة تاريخية بإجراء استفتاء الاستقلال في 2014، وهو ما يسعى مجددا لتكراره بعد نحو 3 سنوات فقط!

ودوافع الحزب الوطني مبررة لدى قطاعات كبيرة، فبالرغم من أن أسكتلندا تتمتع بحكم ذاتي ولها برلمان خاص بها، إلا أن البرلمان البريطاني يحتفظ بالقدرة على الإصلاح، والتغيير، تمديد أو إلغاء نظام الحكم في أسكتلندا، ويمكن القول أن البرلمان الأسكتلندي ليس ذا سيادة مطلقة.. فهل ينجح الحزب الوطني في تغيير وضع استقر لقرون بحكم الأمر الواقع للملكة التي حكمت العالم يوما ما؟

دعنا نقول إن إجابة سؤال مستقبلي كهذا، تتولد اليوم. وبما أن الغموض سيد الموقف حاليا، فالمستقبل أكثر غموضا. لأنه برغم إعلان بريطانيا بدء مفاوضات الخروج الأربعاء المقبل، لا يملك أي شخص أن يحسم الإجابة على سؤال: هل ستخرج بريطانيا كلها من أوروبا؟ أم ستخرج دون أسكتلندا؟ بمعني آخر سيكون على لندن الاختيار بين الحفاظ على وحدة بريطانيا وبين الاستقلال عن أوروبا، حيث بات من الأمر الواقع أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى انشقاق جزء كبير عن المملكة المتحدة.

تبعات الانفصال.. من سيدفع الثمن؟

من المفارضات الاقتصادية بشأن نتائج استفتاء أسكتلندا السابق في 2014، أن مواطنا بريطانيا كسب 200 ألف جنيه استرليني (327 ألف دولار أميركي) بعد أن راهن على أن أسكتلندا سترفض الاستقلال عن المملكة المتحدة. وبحسب مكتب وليام هيل - أكبر مكتب للمراهنات في بريطانيا- إن المراهنات على الاستفتاء وصلت إلى ثلاثة ملايين إسترليني.

تقودنا هذه المفارقة التي تبدو مضحكة، إلى نتائج جدية على مستوى الاقتصاد في حال قالت أسكتلندا هذه المرة "نعم للاستقلال"، ربما يكسب هذا المواطن آلافا آخرى، لكن المؤكد أن بلاده يتخسر  18 مليار جنيه استرليني هي إجمالي اقتصاد أسكتلندا.

نلمس بعضا من النتائج المتوقعة في حال انفصال أسكتلندا، من حقيقة ما شهدته الأسواق بالتزامن مع الاستفتاء السابق، والقلق الذي أحاط به، فبحسب تقرير نشرته الديلي ميل البريطانية، أكدت أن قرابة 17 مليار جنيه سترليني سحبت من الأسهم البريطانية والسندات والأصول الأخرى. ورجح التقرير أن يقدم الكثير من المستثمرين الأجانب على سحب أموالهم مع ترجيح تهاوي العملة البريطانية- الاسترليني- بأكثر من 15% في حال تصويت أسكتلندا على الانفصال عن بريطانيا. بينما حذر بنك نامورا الياباني مستثمري بلاده لضرورة سحب أموالهم مع احتمال تعرض الاقتصاد البريطاني لصدمة قوية الفترة المقبلة.

ومنذ عدة أيام أكدت نيكولا ستيرجون رئيس وزراء أسكتلندا، أن أسكتلندا سوف تتضرر كثيرًا من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأن هناك رغبة قوية من الشعب والحكومة الإسكتلندية للبقاء داخل قوام الاتحاد، لأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يؤدي إلى إلغاء عشرات الآلاف من الوظائف في أسكتلندا، لذلك فهي تتمسك بالبقاء في الاتحاد الأوروبي ولو كان الثمن انفصالها عن بريطانيا.

ويشكك بعض المحللون في قدرة أسكتلندا على تحمل تبعات الاستقلال في وقت يتراجع فيه اقتصادها مع هبوط أسعار النفط منذ 2014. لكن رئيس وزراء أسكتلندا السابق أليكس سالموند أشار إلى أن أسكتلندا كانت "الأمة الـ15 الأكثر ازدهارا في العالم لجهة الناتج الإجمالي" مؤكدا أن "القول بأننا لا نملك الإمكانات للاستقلال أمر سخيف".

الاتحاد.. بين الرغبة فيه والرغبة عنه

أخيراً، ليس من المبالغة أن نقول إن مصير هذا الاستفتاء المرتقب – سواء أجرى في خريف العام المقبل أو ربيع العام التالي – سيؤثر كثيرا في الرؤية المستقبلية لاحتمال تفكك الدولة البريطانية بشعوبها الأربعة، ليس هذا في حسب، بل في احتمالات تفكك أوروبا الموحدة، في متتالية يخشاها الجميع تقريبا.

ومن المفارقات السياسية، أنه في الوقت الذي تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يقاتل قادة أسكتلندا من أجل البقاء في هذا الاتحاد ولو كان الثمن تفكيك وحدة عمرها 300 سنة، تماما كما هو حال تركيا التي فعل حاكمها الحالي كل ما يمكن عمله – حتى وإن كان ضد مبادئ حزبه المعلنة – من أجل دخول جنة الاتحاد الأوروبي. لكن الاتحاد الذي تهرب منه بريطانيا اليوم، يرفض السماح لإردوغان ومواطنيه حتى بمجرد دخول الحدود دون تأشيرة! وهكذا نتابع دراما مصير الاتحاد بين رغبة الدول فيه، ورغبة أخرى عنه!

أكثر من 5000 ملايين أسكتلندي يعيشون على ثلث مساحة بريطانيا، يترقبون الأربعاء المقبل بداية مفاوضات بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، لمعرفة الخيارات المتاحة أمامهم، ولتوجيه مشاعر انتمائهم المستقرة لقرون.. إما تجاه بريطانيا الأم أو ناحية الاتحاد الأوروبي "رب العمل"!

(وأنا في الضلام.. من غير شعاع يهتكه/ أقف مكاني بخوف ولا أتركه/ ولما ييجي النور وأشوف الدروب/ أحتار زيادة.. أيهم أَسلُكه؟).. صلاح جاهين.

تعليق عبر الفيس بوك