حميد السعيدي
التغيُّرات التي تحدُث بالعالم هي تغيُّرات مُستمرة في مُختلف المجالات، وبناءً على هذا التغيُّر أيضا الإنسان يتغيَّر معها إيجاباً أو سلباً، وهذا بحكم الطبيعة البشرية وما تتميَّز به؛ فالإنسان إمَّا أنْ يكون شخصًا سويًّا مُتمسكًا بالقيم الفاضلة والعقيدة الدينية التي ينتمي إليها، وأعراف المجتمع الذي يعيش فيه، أو يكون إنسانًا متمرداً وشخصًا سيئاً يُمارس كافة أنواع الجريمة والشذوذ عن الحياة التي أرَدَاها الله على وجه المعمورة، وهُنا تكمن خطورة التعامل مع هذه الفئة المتمرِّدة، والتي لا توجد لها محددات أو ضوابط تضبط من سلوكها السلبي؛ لذا فلا ريب أن يكون ضررها كبيراً على أفراد المجتمع بصورة عامَّة؛ فهي تمارس كافة أنواع الإجرام الذي يرضي طموحها ويحقِّق رغباتها، وتعتمدُ على كافة الأساليب الخاطئة التي تخالف القانون رغبة منها في تحقيق شذوذها غير الطبيعي، ولا يخلو مُجتمع ما من هذه الفئة الضالة عن الطريق الصحيح، ولكن كيف يُمكن للمجتمع التعامل معها دون أن تحدث لها أضرار كبيرة؟!!
يجب أن نميِّز بين مفهوميْن أساسيين في هذه القضية، هما: الحماية التي توفرها المؤسسات الأمنية للمواطنين، والوقاية التي يمتلكها الفرد التي تبعده عن الوقوع في فخاخ هذا الإجرام، وما بَيْن هذه المفهومين يجب أن يتحمَّل الفرد المسؤولية الأكبر في وقاية نفسه من الوقوع فريسة بين يدي هؤلاء النامقين عن الواقع والخارجين على القانون؛ فلا يمكن لهؤلاء أن يقتحموا الحياة الخاصة لأي فرد ما لم يجدوا العوامل أو البيئة الضعيفة أو مكامن الضعف في حياة الفرد تؤهِّلهم وتساعدهم على الولوج في حياته الخاصة والعبث بها، فبالرغم من تواجد الجهات الأمنية وواجبها الذي يفترض أن تقوم به في حماية الفرد، إلا أن الفرد ذاته يتحمل المسؤولية الأكبر في حماية نفسه ووقايتها من التعرُّض للإجرام؛ لذا علينا أنْ نعي جيداً أنَّه لا يُمكن أن يعتدي أحد على حياتك الخاصة إلا إذا وفَّرت لهم الفجوة في حياتك والتي تصبح مدخلاً سهلاً للوصول إليك.
وتُعدُّ قضية الابتزاز الإلكتروني من القضايا الحديثة، وهي نتيجة للتطوُّر في الإجرام الإلكتروني، والذي أصبح اليوم أكثر انتشارًا في البيئة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، والصرخة التي أطلقتها الجهات الأمنية في البلد هي نتاجٌ لكبر حجم هذا النوع من الإجرام، فلم ينجُ منه أحدٌ من كافة فئات وشرائح المجتمع، الكبار والأطفال والشباب والنساء، وأصبح ظاهرة ذات انتشار واسع ووجدت البيئة الحاضنة لها؛ نتيجة عِدَّة عوامل أسهمتْ في صناعة فجوات في حياة الأفراد بما يؤهل هؤلاء على الدخول في حياتهم الخاصة، واستخدام كافة أنواع الابتزاز للحصول على مأربهم المادية والمعنوية والجسدية والجنسية، ومعتمدين على عامل التشهير في الوصول إلى غايتهم، وخوف المعتدى عليها من الوصول إلى الجهات الأمنية والتبليغ عليهم، وهنا تكمن خطورة هذا القضايا في أن يتم استغلال الفرد لأبعد الحدود وتعرضه لكافة أنواع الإجرام، وهو لا يستطيع الإبلاغ عن ذلك خَوْفا من التشهير به؛ الأمر الذي يدفعهم للاستمرار أكثر في ابتزازه؛ مما يَضَعه أمام مَوَاقف صعبة تتطلب منه التضحية بأشياء كثيرة من حياته. ويعتمد هؤلاء على عِدَّة أساليب في تحقيق مآربهم؛ ومنها: سرقة البيانات والحسابات الشخصية، والتواصل الإلكتروني عبر الفيديو أو الصوت وتسجيل ما يتم خلال هذا التواصل، والعمل على الإغراء الجنسي بالصور أو الفيديوهات، وإيهام الفرد بأنَّ ما يحدث أمامه هو حقيقية حتى يبدأ الدخول في ذات المواقف والتفاعل معه، وهنا يتم تسجيل كل ما يحدث في تلك المكالمة بحيث يتم تهديده لاحقا بالتشهير، إلى جانب أنهم يستهدفون المشاهير وأصحاب المناصب والوظائف مما يجعلهم أمام موقف لابد من التعاطي معه والاستسلام لكل مطالبهم.
ويقصد بالابتزاز الإلكتروني أنه "عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح "المبتزين" كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل أو غيرها من الأعمال غير القانونية"، ويعمد المبتزون إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة كالفيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وذلك للاستخدام الكبير من فئات المجتمع لهذه المواقع الإلكترونية، ومَنْ يقوم بهذا الفعل على مُستوى عالٍ من المهارة، فهم يجيدون اختيار الشخصيات التي تناسبهم، بحيث يستطيعون تحقيق مآربهم وأهدافهم، فضحاياهم يتم اختيارها بعناية تامة، ومعرفة بهم وسلوكياتهم وأصدقائهم من خلال القراءة الدقيقة لصفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي لجمع معلومات متنوعة، فهم على مهارة عالية في التعامل، ومتمرسون في الإيقاع بالأشخاص من خلال المصائد الإلكترونية التي تُستخدم في الإيقاع بهم، ولا يمكن تصور العدد الكبير ممن يقومون بهذا السلوك غير السوي، نتيجة للعوائد المادية الكبيرة التي تُجْنَى من هذا النوع من الإجرام؛ لذا أصبحت ظاهرة أكثر انتشاراً، وأصبح عدد ضحاياها في تزايد كبير، بما يعطى مؤشراً خطيراً على حجم المشكلة.
ولا يُمكن اليوم إيقاف التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي من فئات المجتمع، ولكن يُمكننا بناء ثقافة التعامل معها لدى المجتمع؛ فالقضية ليس مثل ما يتصورها البعض بأنها عملية سهلة، وأنه في مأمن منها ما لم يمتلك الوعي التام بكيفية التعامل مع هذا النوع من القضايا، خاصة وأن الكثير من القضايا التي كشفت جاءت من شخصيات قريبة من الضحية، وأحيانا بمسميات لأفراد على معرفة تامة بالضحية، وهنا تكمُن خطورة هذا النوع من القضايا، والأخطر من ذلك أنَّ هناك اعتداء حَدَث للأطفال وتعرضهم للابتزاز الإلكتروني في ظل غياب الرقابة من أولياء الأمور؛ مما نتج عنه تعرضهم للعديد من المشكلات، والتي وصلتْ إلى الاعتداء الجنسي عليهم، وتصويرهم في مشاهد لا يقبلها الإنسان السوي؛ لذا فإنَّ المسؤولية اليوم تقع على الفرد في حماية نفسه وحماية أفراد أسرته من التعرُّض لمثل هذه المواقف التي ينتج عنها تعرض الفرد للابتزاز للحصول منه على عوائد مالية أو تعرضه للاعتداء الجنسي والجسدي من أشخاص لا يمتلكون أدنى قيم الإنسانية.
عملية بناء علاقات صداقة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي تُعد اليوم عملية فيها الكثير من المجازفة على حياة الفرد، ما لم يكن على مستوى عالٍ من اليقين والمعرفة بمن يتعامل معهم، فلا يمكن تصور حجم التضليل في البيانات والمعلومات عن الأفراد الذي يرسلون طلبات الصداقة من خلال هذه المواقع الإلكترونية، خاصة في ظل التنامي الكبير في أعداد قضايا الابتزاز؛ لذا لا يمنع من التعامل مع هذه الشبكات في إطار مجموعة من الضوابط والحدود التي يضعها الفرد لنفسه في التعامل مع هذه العلاقات، والتي لا يجب أن تصل إلى المستوى الخاص، وإنما في إطار العموميات التي من خلالها لا نعبر عن معلوماتنا الخاصة، فلا يمكن أن يكون هناك حماية لك إلا عندما تكون حذرا في التعامل مع هؤلاء المبتزين.
Hm.alsaidi2@gmail.com