عبيدلي العبيدلي
جاء في مقال تصدَّر الصفحة الأولى من جريدة "الإمارات اليوم" -التي تصدر من دبي - أنَّ نتائج رصد أجرته الصحيفة "من واقع البيانات المالية المدققة لـ19 بنكاً وطنيًّا مدرجًا في أسواق المال المحلية، أن إجمالي ما تقاضاه 400 موظف في الإدارة العليا وأعضاء مجالس الإدارة من رواتب ومكافآت وتعويضات ومزايا أخرى خلال عام 2016 بلغ 880 مليوناً و738 ألف درهم، فيما سجلت المساهمات المجتمعية والتي تشتمتل على تبرعات وأعمال خيرية للبنوك نفسها نحو 184.8 مليون درهم للعام نفسه، بنمو نسبته 41.3% مقارنة بالمساهمات المجتمعية خلال عام 2015 التي بلغت نحو 130.7 مليون درهم".
وتمضي الصحيفة في كشف المزيد من الإحصاءات التي تكشف عدم التوازن، "بين ما يتقاضاه موظفو الإدارات العليا وبين ما تحصل عليه الفئات المجتمعية الدنيا من فتات يندرج تحت بند "المسؤولية المجتمعية للشركات". ووفقا لأرقام ذلك المسح فقد "قدم بنك الخليج الأول أعلى رواتب ومكافآت ومزايا خلال العام 2016، بقيمة 172 مليوناً و584 ألف درهم، يليه بنك المشرق بقيمة 124 مليون درهم، فيما جاء بنك الإمارات دبي الوطني ثالثاً بإجمالي رواتب ومكافآت بلغ 86.4 مليون درهم".
وليستْ الإمارات هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تعاني من ضآلة مساهمة الشركات الوطنية في المسؤولية الاجتماعية؛ فالأمر لا يختلف في دولة مثل المملكة العربية السعودية، ففيها كما يكشف مستشار وزير الشؤون الاجتماعية على الحناكي عزوف من "الشركات السعودية، (عن المشاركة) في المسؤولية الاجتماعية، (منوها إلى) أن أكثر من عشرة آلاف شركة كبيرة وصغيرة لا تتجاوز مساهمتها في دعم المشاريع الاجتماعية 1%، مبينا أن إحجام رجال الأعمال عن الانخراط في ممارسة مسؤوليتهم الاجتماعية، نابع من عدم وضوح رؤية مشاريع الجمعيات الخيرية".
وليست البلدان العربية هي الاستثناء في هذا المجال، بل هي ظاهرة تكاد تكون كونية. هذا ما أشار إليه بحث أجرته منظمة أوكسفام البريطانية، ونشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) وجاء فيه "إن أغنى ثمانية أشخاص في العالم يملكون ثروة تضاهي ما يملكه 3.6 مليار شخص، ممن يشكلون نصف أفقر سكان الأرض، (مضيفة) إن أرقامها، التي أثارت شكوك النقاد، تستند على بياناتٍ منقحةٍ، فيما وصفت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بأنها أكبر بكثير مما كان متوقعا".
وكما تفصح الأرقام "تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين".
وكما تؤكد مثل تلك الأرقام، فإننا نكتشف "أن نسبة 33.3% من سكان البلدان النامية نجد ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية".
ويرجع البعض -من أمثال الكاتب سليمان العقيل- مصطلح المسؤولية الاجتماعية "إلى القرن الثامن عشر الميلادي؛ حيث أعلن الفيلسوف الاقتصادي الكبيرة أدم سميث أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع. ووجهة النظر هذه مازالت تشكل الأساس لاقتصاديات السوق في وقتنا الحاضر".
أما على المستوى العربي، فالمصطلح -كما يشير مدير التطوير والتخطيط بوزارة الشؤون الاجتماعية السعودي إبراهيم الخرفي- يعتبر جديدا "خاصة في المجتمعات العربية، وظهر في سنة 2000م تقريباً وذلك بعد تعاظم دور المجتمع المدني.. كذلك لا تنس ان معظم البرامج الاجتماعية في الدول العربية تصرف عليها الدولة وتخصص لها ميزانيات.. وبعد تطور المجتمعات العربية وقناعة المسؤولين في الدولة بأهمية دور القطاع الخاص في الجهود الأهلية.. بدأت بعدها فكرة هذا النشاط في التبلور لأنه نشاط داعم ومساند للجهود الحكومية".
هذا ما يجعل رئيس جامعة جرش الأهلية خالد العمري يحذر من "أن مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات لا يلقى الاهتمام الكافي في دول العالم الثالث والدول العربية بشكل خاص؛ حيث ينظر لدور الشركات بهذا المجال على أنه محدود بتقديم العون والمساعدة كنوع من الصدقة دون النظر لدور القطاع الخاص كشريك إستراتيجي للدولة في التنمية المستدامة".
وهذا ما يدفع أيضا أشخاصا مثل نائب رئيس جمعية رجال الاعمال الاردنيين ثابت الطاهر، إلى الدعوة لضرورة وضع تعريف لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، الذي لا يزال يعتبره البعض -كما يؤكد الظاهر- "عملاً تطوعيًّا واختياريًّا؛ وبالتالي، فهو لا يتجاوز المبادرات الطوعية والاختيارية التي تقوم بها مؤسسات القطاع الخاص أو الأفراد، (في حين ينبغي أن تكون) مسؤولية شركات القطاع الخاص لا تنحصر في تحقيق وتعظيم الربح لأصحابها ومساهميها، وانما تشمل مسؤولية قانونية واخلاقية واقتصادية واجتماعية وإنسانية تجاه العاملين فيها أولاً، ثم المجتمع الذي تعمل فيه؛ فعلى المستوى الأخلاقي والقانوني: التأكد من تطبيق القوانين والأنظمة بعدالة وبدون تمييز، والالتزام بأنظمة السلامة والبيئة، والمساهمة في تحديد الأبعاد التنموية في المجالات الاجتماعية والبيئية وحقوق الانسان".
باختصار.. وبخلاف ما يتوهم البعض، لا تزال ظاهرة الاختلال الاجتماعي لصالح من يملكون على حساب من يحتاجون قائمة. فالعالم اليوم -كما تنقل الكاتبة الموريتانية مريم بنت زيدون، عن الرئيس الجنوب إفريقي "مبيكي"- عبارة عن "جزيرة أغنياء تحيط بها بحار من الفقراء، (مضيفة بأنه) رغم جني الكثير من خيرات الكوكب التي يجمع الخبراء على أنها كافية لتقديم الرفاهية للستة مليارات من البشر الذين يعيشون فوقه لو تم توزيعها بالحد الأدنى من العدالة".
رُبما يعتقد البعض، وهم محقون في ذلك، أن تحمل الشركات مسؤوليتها الكاملة وعلى الوجه الأفضل لن يحل مشكلة عدم التوازن المجتمعي في العالم، لكن على مثل هؤلاء أن يقتنعوا أن تحمل تلك المسؤولية على الوجه الصحيح من شأنه أن يُسهم، بكل تأكيد، وبشكل ملموس في تقليص آلامهم ومعاناتهم.