لماذا لا نتحاور؟ (1-2)

 

نادية المكتومية

شبح الخرس الزواجي الذي ينسج خيوطه في بيوت كثيرة لتتحول شيئا فشيئا لخرائب موحشة يسكنها البرود العاطفي والوحدة وتراب الغضب والحزن والألم ومشاهد من المعاناة الزوجية التي لا حصر لها.

عزيزي القارئ مقال اليوم يقوم على اتفاق مسبق بيني وبينكم مفاده: اختلاف الآراء طبيعة بشرية لأنّ الناس مختلفون في عقولهم وأفهامهم وميولهم ورغباتهم وثقافاتهم، وقد ورد في السيرة النبوية ما يجسد حدوث الاختلاف وكيف تعامل النبي صلوات ربي وسلامه عليه مع هذا الاختلاف برقي لا يخدش الكرامة ولا يقطع أواصر التواصل الاجتماعي، فقد اختلف بعض الصحابة معه في اختيار موقع معسكر المسلمين في بدر ولكن لم يعنفهم ولم يغضب ولم يتجاهلهم إنما كان يستشير ويرى آراء مختلفة ينتقي أحسنها، لماذا هذا الاتفاق بيننا أعزائي الأزواج والزوجات؟ لأنّ المحاور عندما يدرك ويقتنع بأن اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية يسكن إليه ويطمئن قبل بدء الحوار ويؤمن بطبيعة الاختلاف في الآراء فيقبل على الحوار بنفس هادئة مطمئنة.

وتذكروا بأنّ الحوار هو لغة العقول والمودة هي لغة القلوب فالخلاف في وجهات النظر حري ألا يذهب بالود والمحبة بين الزوجين وألا يولد الخصومة والعداء بينهما، للأسف هناك إشكاليات عديدة يعاني منها الحوار الأسري تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما: تفشي الصمت الزواجي بين الأزواج والمشكلة الأخرى الحوارات العقيمة غير الفعالة التي تنتهي بالصراخ وغمط الحقوق وتصيد الأخطاء وتفاقم المشكلات الزوجية وتجر للكراهية والعياذ بالله، والغضب في البيوت هو مؤشر على فقدان الحوار الصحي الإيجابي وقد تكون ثماره الطلاق بأنواعها الطلاق الحقيقي أو العاطفي أو العنف والتفكك الأسري.

كم من بيوت ألقى الصمت عليها بردائه ونسج خيوط الكآبة على ساكنيها ودفن تحت هذا الصمت الحب والتفاهم والمودة والرحمة!!

ناهيك عن أثر غياب ثقافة الحوار على تشويه مفهوم الحوار ومهاراته في نفوس الأبناء بالنمذجة السلبية للحوار مما ينقل ثقافة مشوهة في أذهانهم تنتقل لأسرهم ومع أزواجهم مستقبلا لأنّ الفرد ابن بيئته، ويبقى السؤال لماذا يتجنب بعض الأزواج الحوار الزواجي؟ ولماذا يلوذون بدثار الخرس الزواجي والصمت؟

هناك أسباب عدة تؤدي لتفشي الحوارات السلبية والخرس الزواجي في بيوتنا منها:

  1. ثقافة مستمدة من تراكم اجتماعي تربى عليه هذا الزوج وهذه الزوجة نتيجة غياب الحوار في أسرهم التي نشأوا فيها فكيف سينشأ جيل محب للحوار الإيجابي في بيئة لم تدربه على هذه المهارة أو شوهت المهارة بالنمذجة السلبية للحوار السلبي مما أدى لنقله لاحقا لعش الزوجية الجديد.
  2. داء الاستعلاء الفكري: ويتمثل في مظهرين: أولا رفض أحد الزوجين فتح باب الحوار مع شريك حياته لاعتقاده بأن مستوى تفكيري وثقافتي أعلى من ثقافة شريك حياتي وبأن مستوى ثقافته أقل منّي لذلك لا يروق لي الحوار معه فيسود الخرس الزواجي ويعاني كلا الزوجين من مشكلات في الاتصال والتواصل وفقدان المودة بينهما، وهنا أذكر بأنّ نجاح الزواج لا يعتمد على تكافؤ المستوى العلمي للزوجين، للأسف هذه من الخرافات والأفكار المعلبة التي وردت لنا من ثقافات لا تمت لقيمنا الإسلامية بصلة وأبسط دليل بأننا نستمتع ونطرب بأحاديث أولادنا الصغار ونفتح مواضيع للنقاش شيقة معهم لماذا؟ لقناعتنا بأهمية وضرورة وأثر الحوار الأبوي معهم رغم الفارق العمري والثقافي بيننا وبين أبنائنا، فلماذا عندما نأتي للأزواج نكبل عقولنا بفكرة عقيمة مفادها التكافؤ العلمي والعقلي، فنحرم أنفسنا متعة الحديث مع شركاء حياتنا، النبي صلوات ربي وسلامه عليه كان هناك فارق عمري وثقافي بينه وبين زوجاته جاءت الزوجة الأم المتمثلة في شخص السيدة خديجة وجاءت الزوجة الصديقة المتمثلة في شخص أم سلمة وغيرها من زوجاته وجاءت الزوجة التي تصغره سنا بفارق كبير وكانت مدرسة تتلمذت على يديه متمثلة في شخص السيدة عائشة، وكان يحاورهن ويستمتع بالحوار معهن ليلغي بذلك أسطورة التكافؤ الفكري ركيزة للحوار الأسري الفعّال، بل بالعكس إذا كنت أنا طبيبا لا أعتقد أنني سأنتشي بحوارات الطب عند عودتي لزوجتي بالبيت وربما الأحاديث عن أمور اجتماعية بسيطة من زوجتي تشعرني بمتعة وسعادة، فاحذروا الأفكار المغلوطة التي تسربت لثقافتنا الزوجية فصنعت أشباح الصمت..

من مظاهر الاستعلاء الفكري رفض الزوج أو الزوجة التعلم والتدرب على مهارات الحوار الراقي فيرفض إصلاح الخلل عنادا منه فلا يكتسب المهارة الحوارية وتستمر المشكلة..

أيضًا من أسباب غياب الحوار الزواجي الفعّال: اعتقاد كثير من الأزواج بأنّ الطرف الآخر يعرف ما أريد سلفا لذلك سأثور إذا لم يتجاوب مع رغباتي الصامتة!! فمثلا عنده رغبة في التنزه يصمت ثم يثور بعد فترة لاعتقاده بأنّ الطرف الآخر لم يستجب لرغبته، بالله عليكم كيف لنصفك الآخر معرفة مكنونات نفسك إذا لم تبح بها!

كذلك في مشهد واقعي آخر تعتقد بعض الزوجات بأن زوجها عندما يرجع للبيت تفترض أنه مدرك لمعاناتها مع صغارها طوال اليوم وبالتالي تفترض سلفا بأنّه مدرك بأنها اليوم بحاجة لكوب قهوة في مقهى هادئ أو التنزه على شاطئ البحر، عبّر عن رغباتك بأسلوب واضح وجميل وراق لأن التزام الصمت يجعل الطرف الآخر في حيرة شديدة فلا يلبي رغباتك لجهله بها فغياب الحوار يحل محله الصمت الجالب للمشكلات فاحذره.

هنا يتبادر لأذهاننا سؤال آخر: هل هناك فرصة لتعديل الوضع؟

والجواب: نعم هناك فرصة دائما متى ما رغبت أنت، كيف؟

تابعونا في المقال القادم

دمتم بتناغم مع من تحبون،،،