شيَّعتك عُمان يا سالم بهوان

 

 

هلال الزيدي

 

الوَدَاع لَيْس مَشْهَدا دراميًّا يُعاد تصويره، خاصة عندما يكون الوداع لقامة إنسانية فنية ذات هموم وطنية حتى النُخاع.. إنَّ خَبَر رحيل الفنان القدير الإنسان ذي الطيبة والابتسامة سالم بهوان "أبو حمد"، كان بالنسبة لي كأنه مشهد درامي أو إشاعة، ما تلبث أن تختفي بعد أن تأتي رسالة تنفي ذلك الخبر، إلا أنَّها لم تعد كذلك؛ فالخبر تجاوز التمثيل والدراما، فوقعه علينا قوي، ولأننا نؤمن بالقضاء والقدر، والموت والحياة، علينا أن نرفع أكفنا متضرِّعين مُبتهلين إلى الله أن يتقبله عنده.

تلك هي السُّنة الربانية، لكن ما يُثلج صدورنا السيرة الطيبة التي تركها خلفه أينما حل؛ فالجدير بنا أن نذكر محاسن موتانا، فما أكثر محاسنك يا "أبا حمد".. كيف لا، وقبل أسبوعين كنتَ تتحدَّث إليَّ برغبتك في توثيق اهتمامات مولانا صاحب الجلالة بالجوامع المنتشرة في مختلف محافظات السلطنة.. يا "أبا حمد" أنت نويت، والناوي كالفاعل، أسال الله أن يجعل ما نويت في ميزان حسناتك.

يا "أبا حمد" ها أنت تترجَّل عن هذه الحياة الفانية إلى حياة الخلود، والجميع يذكُر ودك وطيبة علاقاتك مع جميع من عرفك شخصيًّا أو عبر تلك الشاشة التي تنفستها في كل مشهد من مشاهد أعمالك، إن سيرة أعمالك الحسنة ممتدة من مسندم عندما رفعت الحرج عن قضية منسية تدور أحداثها في بيئة صعبة.. فكانت "الكمزارية" اللهجة التي أحييتها، وجعلتها موروثا لا يتعلق بمتحدثيها فقط، وإنما جعلتها تتنفس وتعالج قضايا اجتماعية.. فلم يكن "زواج مهرة" وزفافها عاديا، وإنما جعلته كيوم زفافك وأنت ترحل عن أنظارنا، وتستقر في قلوبنا.. فكيف استقبلت مسندم وتعرُّج جبالها هذه الفاجعة؟!

يا "أبا حمد" لقد تعمَّقت إلى حاسك وتلمست صلابة اللهجة الجبالية وقدمتها بين قمم سمحان مشاهد تفوح بعبق اللبان وأصالة سكانها؛ فكيف استقبلت ظفار خبر ترجُّلك؟!

يا "أبا حمد" عندما غاصت أقدامك في رمال الشرقية لتقدم المختلف والجديد في "ود الذيب" لم نكُن نعلم أنَّ هجير الشمس قد أحرق توقف الدراما عن عتبة واحدة ونمط واحد، فكنتَ من الأوائل الذين كسروا عقدة الرتم الواحد.. فكيف يا تُرى استقبلتْ تلك الرمال خبرَ رحيلك؟

قبل سنتين، كتبتُ مقالا بعنوان "الدراما العُمانية من النص إلى العرض"؛ حيث تناول المقال ما تعانيه الدراما من تحديات.. مع التأكيد على المسار الذي قدمه الفنان سالم بهوان في تاريخ الدراما العمانية: "إنَّ التجانس الذي يُشكله المشهد الدرامي يعتمد كذلك على الفنان الذي يجسد أحداث القضية، فالفنانون العمانيون معدودون على الأصابع، ومعمرون في الحياة الفنية؛ حيث إنهم أصبحوا مستهلكين في أدوار محددة دون تجديد فيها؛ وبالتالي فإنَّ الأجيالَ الحالية لم تعد تتقبَّل الأداء المعاد من قبل البعض؛ لأنَّ هناك فارقا فيما يحتاجه الشباب عما يؤديه أولئك المعمرون، والذين لم يتطوروا في انتقائهم للشخصيات التي يجسدونها في الأعمال الفنية؛ وبالتالي زادوا الطين بِلَّة، في قوة الإقناع بما يقدمونه، ومن أجل المصداقية فإننا لا ننسف جهودهم إنما نريد جيلا من الشباب ممن يكمل مسيرتهم بطريقة تتناسب واحتياجات الأجيال الحالية، ومن نافلة القول أنَّ الفلسفة الفنية التي اتبعها الفنان القدير سالم بهوان في تجديد وجه الدراما العمانية، في عدد من الأعمال الدرامية أو الأفلام حيث منح في مسلسل "ود الذيب" مساحة كبيرة للوجوه الشابة والجديدة في الظهور حيث اعتمد عليها بنسبة كبيرة، كما أوجد مساحات متوازنة في أفلامه لشباب المحافظة التي صور مشاهد الأفلام فيها، كمحافظة ظفار ومسندم مثلا، لذلك فقد آن الأوان أن يفكر المنتجون في إشراك الصف الثاني والثالث من الشباب الذي يعرفون كيف يخاطبون جيلهم -سواء كانوا من كتاب أو مخرجين أو ممثلين- حتى نقلص من الفجوة بين الدراما والمتابع".

يا "أبا حمد" شيَّعتك ظفار عن بكرة أبيها، ومسندم بجبالها وجمالها، والشرقية بامتداد رمالها، يا "أبا حمد" لا نملك إلا الدعاء لك؛ فالدموع لن تعيدك إلينا، ولكنْ دعاؤنا لك يفرحك في قبرك.

نعم كان وسيظل قامةً فنيةً احترمتْ الرِّسالة فاحترمها جمهورها.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. رحمك الله يا "أبا حمد". فكُن قويا يا "حَمَد" لأنَّ أباك كان قويًّا شامخاً، لا يحتاج إلى إعادة تصوير مشاهده الدرامية؛ لأنها عالقة في كل شبر تنفسه.

abuzaidi2007@hotmail.com