دعونا نقرأ: من مسندم إلى ظفار

 

زينب الغريبي

 

انتهى معرض مسقط الدولي للكتاب وجميل أننا استقطعنا عشرة أيام من العام للالتفات للكتاب، الكتاب الذي لا نجد له خلال بقية السنة أي اهتمام، كان معرضًا حاولنا في دار الوراق أن نُقدم فيه ما نستطيع لجعله مُميزاً، سواء من خلال عدد الإصدارات الكبير الذي دخلنا به المعرض، أو مِن خلال فتح نقاشات مُتعددة حول الكتب الجديدة التي أصدرناها مع مؤلفيها ومُتابعين لها، أو من خلال فتح حوار مع القراء الذين تواصلوا معنا في الدار حول كثيرٍ من قضايا القراءة والنشر وسُبل بناء مجتمعات قارئة وهي الرسالة التي نؤمن بها، وهي تمكين الكتاب في التربة العُمانية، وتمكين القراء من القراءة، وإيجاد العديد من الطرق التي يمكن أن يبدأ فيها الجميع القراءة في ظل مُجتمع لا يُمثل الكتاب له أولوية كبرى نتيجة الانشغال بمتطلبات مادية.

 

إنَّ التَّحدي الذي يواجهنا حتى يأتي المعرض القادم هو كيف نستثمر التظاهرة المعرفية التي جرت خلال الأيام العشرة، ونجعل منها محركا لعمل ثقافي اجتماعي يستفيد منه الجميع، يسعى إلى تحسين الدافعية للقراءة لدى مختلف الأجيال، ويعمل على بناء جماعات قارئة يُمكن من خلالها توسيع أثر القراءة في المجتمع بما يُساعد المجتمع على مواجهة كثير من الإشكاليات اليومية مواجهة معرفية قائمة على التفكير والتأمل، فضلاً عن مساعدتها على مُقاومة تأثيرات التكنولوجيا اليومية على الصحة والوقت من خلال العودة إلى الكتاب، والاحتفاء به قراءة ونقداً، وتخصيص مساحات كافية في الوسائل الإعلامية لتغطية هذه الأنشطة، ومراعاة المساواة والعدالة في توزيع تلك المساحات على الكتاب والقراء حتى تصبح المعرفة حقاً نسعى لتوفيره للجميع بدلاً من أن تكون حقاً لفئات مُحددة، مما لا يتيح تهيئة مناخ يُمكن للجميع أن يستفيد منه ليشارك في صناعة واقع ثقافي عُماني مُختلف ..

 

لا شك أنَّنا في دار الوراق نسعى إلى المُشاركة في صناعة هذا الواقع الجديد من خلال بلورة مفهوم نأمل أن يتم تعزيزه وإرساء أسس من قبل الأطراف المعنية وهو مفهوم المسؤولية المعرفية" التي تقترب في معناها من مفهوم "المسؤولية الاجتماعية" الذي تتبناه الشركات، ولكن تختلف في المنطلقات ففي الوقت الذي يظهر هذه المسؤولية نتيجة ضغوطات من قبل المستهلكين، نسعى نحن إلى إقناع القراء بأهمية المعرفة والقراءة، لأننا نؤمن أنَّها السبيل إلى تحسين صحة النَّاس ومستوياتهم الاقتصادية وإلى تكوين مفهوم إيجابي عن الذات نسعى إلى تحفيز الطاقات المختلفة إلى جعل القراءة نشاطًا يومياً وليس موسمياً وسوف نستمر في الجهود التي بدأنا فيها منذ انطلاقتنا لتحفيز القراءة عند مُختلف الفئات، وإلى تحفيز القراءة المشتركة بين الأطفال والآباء والأمهات، واتجهنا إلى الشباب، الفئة الفاعلة في المجتمع وجماعاتهم المختلفة نعمل عن قرب مع بعض هذه الجماعات، نكتشف الموهبين وأصحاب الميول الكتابية، نُريد أن نصنع عُمان مفكرة، ونريد أن نتعاون معًا لنجعل عُمان تقرأ بشكل مستمر من مسندم إلى ظفار، وهذه مهمة ليست سهلة لكننا نؤمن أن البدايات خير من التَّفرج على التحديات، سنعمل ما نستطيع ونستعين بالإرادة على ما لا نستطيع، لكننا لن نتوقف عن فتح مسارات مُتعددة للمعرفة نستثمر فيها التظاهرة المعرفية خلال معرض الكتاب الذي كان معرضاً مختلفاً وتركنا فيه وغيرنا صدى مميزاً للكتاب العُماني، وللكاتب العماني الذي يُريد من يُساعده على نشر إنتاجه، وصقل ملكة الكتابة لديه

إنّ المعرفة والقراءة وتكوين أندية ومُنتديات قرائية هي السبيل إلى التغلب على الصعوبات التحصيلية لدى الطلبة، وأيضًا للتغلب على الإشكاليات اليومية، وإلى الحد من الظواهر الاجتماعية، وهي السبيل إلى صناعة الأمل في الغد، وإلى تكوين أجيال مُنتجة للمعرفة تنافس كثير من المجتمعات، ولذا نعمل العديد من المبادرات لدعم هذه الأهداف خلال الفترة المُتبقية من العام، فحين نجعل الناس تفتح كتابًا، فإننا بذلك نجعلها أكثر وعياً، وإن أردنا أن نحقق تنمية أفضل علينا أن نساعد النَّاس على أن تقرأ بشكل أكبر.