"وقفات إيمانية"

 

 

عيسى الرَّواحي

تحدَّثتُ في مقال سابق عن القراءة وقدرها الجليل وأهميتها البالغة في حياة الإنسان، ودورها في تقدم الشعوب وحضارة الأمم ورقيها. أما الكتابة التي هي اللفظة الملازمة لها؛ فإنها نتاج ما يقرأه المرء وعصارة أفكاره وتجاربه في الحياة، وما الثمار اليانعة والفوائد الكبيرة التي يجنيها القارئ سوى من وراء جهد الكُتَّاب وأرباب القلم.

والكاتب حتى يكتب قليلا فعليه أن يقرأ كثيرا، وإذا كانت القراءة تضفي الأنس والمتعة والفائدة على صاحبها وأنها في مقدور كل متعلم، فإنَّ الكتابة جهدٌ وعناء، وهمٌ وإعياء، وبحث واستقصاء، وبذلٌ وعطاء، وهي فوق ذلك أمانة ومسؤولية وحمل ثقيل فوق كاهل صاحبها.

وقد أقسم الله تعالى بأداة الكتابة دلالة على عظم شأنها وجلالة قدرها، فلا يقسم الله تعالى في كتابه العزيز إلا بعظيم يقول الله تعالى: "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)، وقد ورد في بعض الروايات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ القلم هو أول ما خلقه الله تعالى.

وانطلاقا من أمانة الكلمة، ودور الكاتب في معايشة المناسبات والأحداث، وأنَّه ليس أفضل قولا ممن دعا إلى الله؛ فقد كان لنا بتوفيق الله تعالى وتيسيره خلال أربعة أعوام من مسيرة الكتابة بجريدتنا الغراء وقفات إيمانية عبر ثنايا صفحاتها المشرقة.

وحسب وجهة نظري، فإنَّ كافة وسائل الإعلام وأرباب القلم مُطالبون بأن تكون لهم وقفات مع كل حدث ديني ومناسبة إسلامية، كما هي الحال عند الحديث عن المناسبات الوطنية، وهذا ما نشهده بشكل عام بفضل الله وتوفيقه.

كانت لنا وقفات إيمانية مع أبرز الأحداث الإسلامية التي وقعت في العهد النبوي الزاهر؛ لأخذ الدروس والعبر، ولترجمتها في واقع الحياة سلوكا وعملا.

والحديث عن هذه الأحداث والاحتفاء بها إنما هو لتذكير المسلم بتأريخه المجيد، والاستفادة منها، وشحذ الهمم من أجل تحقيق أعلى درجات الإيمان، والسعي لنيل أعلى مراتب الجنان.

وكانتْ لنا وقفات إيمانية مع مواسم الخير على مدار العام؛ فهناك من الأيام والشهور ما هي أعظم من غيرها، وهنا يطالب المسلم بأن يتنافس مع المتنافسين في نيل فضلها واغتنام أجرها، والفوز بفضلها، ولا ريب أنَّ التفريط في مثل هذه المواسم إنما هو حسرةٌ وخسرانٌ على من فرط فيها، وقد كان الحديث عنها من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين.

وكانت لنا وقفات إيمانية مع قضايا كثيرة تهم المسلم في شؤون حياته، وهو مطالب بأن يعرفها ويكون على بصيرة من الأمر في شأنها، فيعرف ما له وما عليه، فيؤدي الواجبات، ويجتنب المنهيات، ويسارع إلى فضائل الخيرات.

تلك الوقفات الإيمانية التي رصدتها مع أبرز الأحداث الإسلامية ومواسم الخير والفضل ومجموعة من القضايا التي تهم المسلم في حياته، ضمنتها بفضل الله تعالى وتوفيقه في إصدار بعنوان "وقفات إيمانية".

ويحوي الكتاب بين دفتيه أربعين موضوعا في مائتي صفحة، ولمزيد من الحرص في أنْ يخرج الكتاب سليما من الأخطاء والهفوات، فقد تفضل بمراجعته الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين الفتوى بمكتب الإفتاء، فسدَّ الخلل، وصوَّب الخطأ، وأرشد ووجَّه لما فيه المصلحة والفائدة، فجزاه الله خير الجزاء، والشكر موصول إلى كل من كان له إسهام في إنجاز هذا العمل.

وختاما.. فإنَّني أحمد الله تعالى أنْ وفَّقني بمنِّه وفضله وتوفيقه وإحسانه إلى إنجاز هذا العمل المتواضع الذي أرجو أن يكون خالصًا لوجه الله الكريم، وأن يكون صدقة جارية تنفعني في حياتي وبعد مماتي، وأن ينتفع به كل من قرأه، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

issa808@moe.om