الممارسة قبل المنافسة

 

وليد الخفيف

تحمل كل دولة في باطنها أسرار تفوقها الرياضي، فهناك من تحظى بإمكانيات مادية فذة تستطيع تطويعها لتحقيق الهدف الموضوع في الخطة والبرنامج الزمني المعد سلفا دون النظر لما تملكه من كوادر وطنية، فقد تلجأ للتجنيس مثلا حال عدم توفر أبنائها لتمثيلها في الاستحقاقات الدولية وتستعين في سبيل هدفها بخدمات أفضل المدربين وأفضل مخططي البرامج، فالمال يسخر كل شيء، وتندرج معظم الدول الأوروبية وأمريكا تحت هذه الفئة، وهناك دول أخرى تمتلك إمكانيات مادية مقبولة إلى جيّدة فضلا عن امتلاكها لمقومات بشرية مبشرة بالخير حال الاهتمام بها، غير أنّ قصورها يكمن في الجانب الإداري وتندرج تحت هذه الفئة شريحة واسعة من الدول العربية، وهناك شريحة أخيرة لا تمتلك من الإمكانيات شيئا ولكن كنزها وأدوات تطورها يكمن في مواهبها فقط، ولعلّ المثل هنا مطابق لمعظم دول القارة السمراء التي أنجبت أبطالا غيّروا موازين القوى في كثير من الألعاب والرياضيات، فالإمكانيات رغم قيمتها يمكن تجاوزها عبر البدائل والحلول الإبداعية غير التقليدية فضلا عن الاستخدام الأمثل للمعطيات، واعتقد أنّ الوضع في السلطنة مقبول من ناحية الإمكانيات المادية، فالبنى الأساسية جيّدة والموازنات المالية مقبولة وتضخ بانتظام لهذا القطاع، غير أننا بحاجة لمشروع وطني يضم عددا من الألعاب تشارك به كل أطراف المنظمة الرياضيّة تحت غطاء من الدولة ومؤسسات القطاع الخاص وصولا لما يعرف بالشراكة المستدامة بين الطرفين.
واعتقد أنّ المشروع الوحيد الذي يسير وفق منهج علمي وإطار يتفق محتواه بأسس وقواعد علم التدريب الحديث هو مشروع مراكز إعداد الناشئين، فالفكرة التي تحولت لواقع يتمثل في مراكز منتشرة في كافة ربوع السلطنة تضم أكثر من 1200 رياضيا قد يكون أحدهم بطلا أولمبيا عجزت الاتحادات الرياضية واللجنة الأولمبية عن إنجابه على مدار تاريخها، فما زالت خطانا متعثرة نحو المنصة الأولمبية والسبب المطروح هو أننا نعاني من آفة العمل الفردي فلا يمكن أن يسير كل اتحاد في دربه دون مرجعية أولمبية تحدد مساره فهذه التجربة أثبتت عدم جدواها وبات لزامًا على المعنيين تغيير استراتيجيتهم بما يتفق والمعطيات الواقعية وأرجوكم لا تتعللوا بالإمكانيات.
أتابع عن قرب منذ سنوات عمل مراكز إعداد الناشئين وشاهدت تحولها من مرحلة تعليم المهارة إلى مرحلة التنافس حيث النقلة النوعية التي صنعت الفارق تمهيدا لمشاركة ناشئيها في معترك المنافسات المحلية والخارجية، ويبدو أنّ المشروع الناجح في حاجة لمزيد من التعاون مع الأندية والاتحادات الرياضية، فبعض المخرجات لم تجد لها مكانا في الأندية أو الاتحادات وإن تمتعت بإمكانيات تؤهلها لذلك، فالاستفادة من كل المخرجات باتت أولوية، ويتعين على القائمين على شؤون المشروع إيجاد الصيغة المناسبة لذلك.
واستبشر الجميع خيرًا بالتعاون الذي كشف عنه النقاب مع اتحاد الرياضة المدرسية، إذ يمتلك الأخير القاعدة العريضة من المواهب والخامات، ولكن ما يطبقه الاتحاد الوليد حديثا يبدو بعيدا عن هدفه الأصيل، فالاتحاد لم يشهر لتنظيم مسابقة كرة قدم لطلاب في مرحلة الشباب، فكيف لمسؤوليه تطبيق المنافسة قبل الممارسة؛ كاسرين قاعدة أصيلة من علم التدريب الرياضي، فالتعليم والممارسة تعد مرحلة أولى تثمر عن اكتشاف وانتقاء موهبة يليها انتقال تدريجي لمرحلة المنافسة،
والأحرى أن يوجّه الاتحاد المدرسي في تلك المرحلة جهوده نحو هدف وحيد هو الانتقاء عبر الاختبارات والمقاييس الحديثة ورفد المنتقين لمراكز إعداد الناشئين للقيام بدورها في بدء مرحلة التعليم وصولا لمرحلة المنافسة فالعكس ليس صحيحا.